لعل مما يشير إلى الفطنة الكامنة والنابعة من الفطرة المتجسدة لدى أبناء منطقة منحنى نهر النيل المقيمين فيها والمنحدرين منها، وذلك كما يتم التعبير عنها بصورة عفوية ناتجة عن التأثير الشديد الوطأة والناجم عن النشأة والتنشئة القائمة على الانتماء للجذور الحضارية الراسخة والممتدة عبر الأزمنة والآجال والأجيال المتناسخة والمتتابعة والمتعاقبة.. لعل هذا كان هو الدافع للدهشة التي أعرب عنها صديقنا العزيز الأخ الكريم عصام عثمان عندما إلتقينا به للمرة الأولى لدى عودته من الصين قبل أن نذهب معه في مساء ذلك اليوم إلى حفل العشاء والاحتفاء الذي أقامه على شرفه الأخ النبيل الأستاذ محجوب فضل بدري السكرتير الصحفي السابق للسيد رئيس الجمهورية في النصف الثاني من العقد الماضي، ففي ذلك اللقاء الذي شاركنا فيه صديقنا العزيز الأخ الكريم د. خالد عثمان تنبأ الأخ عصام بأن هناك شخصيات محددة، أشار لها بالأسماء، لن تستمر في البقاء فمن حزب المؤتمر الشعبي المنشق عن السلطة الحاكمة القائمة والمعارض والمناهض لها، وإنما ستنتهز أول فرصة سانحة تهيئها لنفسها للعودة إلى أحضان حزب المؤتمر الوطني الحاكم. وبالفعل فقد حدث ما تنبأ به صديقنا عصام بشكل عفوي وفطري في التعبير عن الفطنة، وذلك قبل أن يمضي وقت طويل على تلك الدهشة التي أعرب عنها بشأن وجود الشخصيات التي حددها في المؤتمر الشعبي بينما مكانها الطبيعي كما يرى هو المؤتمر الوطني وفقاً لما تنبأ به في تعبيره عن الفطنة النابعة من الفطرة والمسعفة في القراءة المتعمقة والناجمة عن بصيرة عميقة ورؤية ثاقبة ونافذة إلى ما وراء الأحياء والأشياء وما يمكن فيها وتنطوي وتحتوي عليه وتشير إليه وتسير فيه وتصيره وتنتمي له في قائمة المطاف ونهاية الطواف. وهكذا نعود مرة أخرى لما أشرنا له أمس بناء على هذا بشأن ما نرى أنها ربما قد يفيد في التحليل والتفسير لجانب مهم وجزء كبير وشديد التأثير في الطبيعة الشخصية المميزة للأستاذ النبيل والأخ الكريم الشيخ علي عثمان من حيث طبيعة النشأة والتنشئة المتفردة والمتمتعة بما نبع ونتج عن جذور التكوين والتعبير الفطري والعفو عن الفطنة الكامنة في ذلك وتشربها على نحو ما. وفي سياق مثل هذا الإطار للرؤية البعيدة المدى لدى النظر إلى ما قام ويقوم به الأستاذ علي عثمان من أدوار قيادية مؤثرة ظل يضطلع بها في الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة، تجدر الإشارة بصفة عامة الى أنه كان برز في الدرجة الاولى لتدرجه عندما تولى رئاسة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم في دورته السنوية المنتخبة والمعبرة عن الإرادة الحرة لطلاب الجامعة التي جاءت متزامنة حينها مع استيلاء التيار السياسي لليسار السوداني بما فيه الحزب الشيوعي على سدة مقاليد الحكم والسلطة على النحو الذي جرى عبر انقلاب ثوري عسكري قاده عام 1969 الزعيم الوطني الراحل الرئيس الأسبق المرحوم جعفر نميري. وبالطبع فقد كان ذلك هو التحدي الأكبر الذي يمكن اعتباره بمثابة الاختبار والامتحان الأول للدور القيادي للأستاذ علي عثمان فيما يتعلق بمدى قدرته على إظهار ما يتمتع به من قدرة على الاضطلاع به ولفت الأنظار بالنجاح فيه واجتيازه، وقد أفلح في ذلك وأثبت حينها مدى ما لديه من جدارة ومهارة مؤهلة تأكدت بالممارسة الفاعلة والجسارة المتفاعلة في التصدي لذلك التحدي والمهمة الصعبة التي فرضت نفسها وطرحتها بقوة شديدة الوطأة وثقيلة الوزن وبالغة الحدة على ذلك الاتحاد الطلابي وصارت محيطة به ومتحديه له لكنه تمكن رغم ذلك من الاضطلاع بها بمهارة وجسارة وصلابة جاءت لافتة وناجحة ومفلحة وراشدة وملهمة ومدركة للأبعاد الخطرة والوعورة الكامنة في ما هو معلوم عن الطبيعة الشرسة للمواجهة والمصادمة والمفارقة الشاسعة في الرؤية المتباينة والممتدة الى حدود قصوى وقاصمة كما هي قائمة بين التيار السياسي لليسار العلماني والشيوعي والتيار الإسلامي الحديث في تعبيره عن الأصالة والمعاصرة. أما المحطة الثانية التي نجح فيها الأستاذ علي عثمان بعد أن أثبت مدى ما لديه من كفاءة وجدارة ومهارة وجسارة وإرادة صلبة كما ظهر وثبت وتأكد أثناء فترة المقاومة والمصادمة والمواجهة الساخنة والسافرة والشرسة مع الحقبة الاولى لنظام حكم الزعيم الوطني الراحل الرئيس الأسبق المرحوم جعفر نميري، فقد برزت في الحقبة اللاحقة التي دخلت فيها الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة في مهادنة متصالحة مع ذلك النظام ابتداءً من العام 1977م وحتى حدثت المفاصلة بينهما في العام 1985م وذلك على النحو الذي أفضى وأدى ضمن عوامل أخر إلى الإطاحة بذلك النظام بانتفاضة شعبية انحازت لها وتلاحمت معها القوات المسلحة في ذلك العام 1985م نفسه.