أعتقد جازماً أن التصدي بوعي وحزم لهجرة العقول الإفريقية، من أولويات العمل الذي ينتظر مجلس الأحزاب السياسية الإفريقية لأن هذه الهجرة هي أكبر مأساة تعانيها القارة، وهى أخطر أسباب الفقر والجهل والمرض التخلف، لحرمان دول وشعوب القارة من توظيف طاقاتها البشرية في التنمية والتطور والتقدم، ومن أحدث وأهم ما قرأت، ويعبر عن حجم مأساة القارة بسبب هجرة عقول أبنائها، ما عبر عنه رئيس جامعة كينشاسا لوتوتالا مومباسي خلال مؤتمر دولي حول الهجرة والتنمية عقد في شهر يونيو عام 2011م في بروكسل عن هجرة العقول الإفريقية نحو أوروبا وشمال أمريكا، داعياً المشاركين إلى إقامة آلية تتيح الحد من هجرة الكفاءات الإفريقية إلى بلدان الشمال الغنية، ويرى مومباسا أن الخسارة انتقال يسبب للقارة تحدٍ كبير بالنسبة لبلد مثل الكونغو الديمقراطية الذي يعيش أغلب سكانها بأقل من دولار واحد في اليوم، والذي يقف عاجزاً أمام رحيل الأطباء إلى أوروبا بعد تكوينهم لمدة سبع سنوات بتكاليف باهظة يعمل الآباء جاهدين على توفيرها، وذكر نفس المتحدث حالة غانا حيث يعمل «64» في المائة من الأطباء الغانيين في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأيضا أن أفضل لاعبي كرة القدم الأفارقة يلعبون ضمن الفرق الأوروبية، ودعا رئيس جامعة كينشاسا الدول الغنية والمؤسسات الدولية إلى تجهيز الجامعات الإفريقية بالمختبرات والمكتبات حتى يعمل الباحثون الأفارقة في ظروف مناسبة، وطالب أيضاً بتكوين الكفاءات الإفريقية بواسطة التكنولوجيا الحديثة للمعلومات، وطالب رئيس جامعة كينشاسا بتبني سياسات مناسبة للإدماج الاجتماعي بهدف القضاء على الظاهرة. وأعلن وزير التعاون والتنمية البلجيكي دي ديكر خلال الجلسة الختامية لهذا المؤتمر الذي استمرت أعماله يومين، أنه ستتم مناقشة قضية هجرة العقول في مجال الصحة خلال اجتماع مجلس الوزراء الأوروبيين للتعاون والتنمية في لوكسمبورغ، وسيبحث الوزراء الأوروبيون بوجه خاص برنامجاً يهدف إلى توفير المناخ والظروف المناسبين لمتطلبات المجال الطبي لفائدة الأطباء والممرضين في إفريقيا، ويتعلق الأمر ببحث كيفية إقامة آلية تمويل لدفع الفرق الموجود بين مرتبات الأطباء والممرضين الذين سبق أن عملوا في أوروبا وبين المبالغ المالية التي سيحصلون عليها في بلدانهم، واقترح الوزير البلجيكي من جهة أخرى إقامة مراكز مرجعية في المجال الجامعي والطبي في إفريقيا ومدارس دولية للتجارة وشبكات تكوين بين الدول الإفريقية، واتفق المشاركون الذين قدموا من دول المصدر والعبور والمقصد على عقد اجتماع آخر في نيويورك«الولاياتالمتحدةالأمريكية» خلال شهر سبتمبر المقبل بمناسبة تنظيم حوار رفيع المستوى حول الهجرة والتنمية «1». هجرة العقول الإفريقية.. مأساة قارة خزان! وعن نفس ظاهرة هجرة العقول الإفريقية كواحدة من مآسي القارة، صدر في فرنساعام 2011م كتاب بعنوان «هجرة العقول الإفريقية.. مأساة قارة خزان» حلل فيه مؤلفه غارسيا جوناس كوفيبيديلا سياسات استقبال المهجرين الأفارقة في دول أوروبية عدة مثل فرنسا وأسبانيا وإيطاليا، وقال إن الطاقات البشرية تشكل شرطاً أساسياً للتنمية، إلا أن طاقات إفريقيا تهجر القارة بشكل مكثف سنوياً، وأعتقد انه لا يمكن لإفريقيا أن تكون طرفاً فاعلاً في العولمة إلا إذا أحسنت استغلال طاقاتها البشرية، وأكد كوفيبيديلا، وهو عالم اجتماع وصحفي فرنسي من أصل كنغولى، إنه يجب تهيئة الظروف الضرورية لضمان بقاء الكوادر الإفريقية للعمل في القارة، كما يجب العمل على عودة أولئك الذين يعملون حالياً بشكل شبه مجاني في بقية أنحاء العالم إلى القارة، .. ومن جهتها قالت منظمة التنمية الاقتصادية لأمم، إفريقيا، ووفقاً لمؤسسة «بناء القدرات الإفريقية» إن افريقيا تفقد «20» ألفاً سنوياً منذ عام 1990م، وإذا إستمر الأمر في هذا الاتجاه فسيتم استنزاف عقول إفريقيا، بينما هي في حاجة ماسة لتطويرها، وبالتالي تنفق «4» مليارات دولار سنوياً على المهنيين الأجانب لسد فجوة احتياجاتها، وللقيام بالخدمات اللازمة للتعويض عن خسائرها، إذ تقول بيانات عن أكثر من «20» ألف طبيب نيجيري يعيشون في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحدها وفي غانا واحد من كل اثنين من المهنيين المهرة اختار الرحيل، ونصف الأنغوليين يعيشون في الخارج، كما أن أنغولا ًخسرت 60% من أطبائها، وكمثال واحد على استنزاف العقول الإفريقية فإن 75% من خريجي الجامعات الأفريقية غادروا بلدانهم في أواسط تسعينيات القرن الماضي بعد السنة الأولى لتخرجهم حتى يتخصصوا في الدراسات العليا، ولكن نصف هذا العدد لن يعود أبداً «2». المصادر: «1» بروكسلبلجيكا « بانا» وكالة «2» ترجمة: مكي معمري عن جريدة »لوفيغارو«بتاريخ شهر يونيو 2011م.