المؤتمر العام الثالث للمؤتمر الوطني جاءت دورته الثانية في ظروف غير طبيعية ومعطيات سياسية داخلية ودولية يبدو أنها هي التي شجَّعت على أن يتداول الحزب الموضوعات في جدول أعماله بتلك الحرية والوضوح، حيث عكف على التداول في نمطين وفق بيانه الختامي أحدهما تقارير الأداء الكلي للحزب والدولة عبر «4» تقارير هي: أداء مجلس الشورى، أداء الجهاز التنفيذي، أما النمط الثاني فهو «4» أوراق عمل تضمنت قضايا وهموم حظيت بالنظر والتدقيق والتداول العميق، في الموجهات السياسية والاقتصادية والفكرية بجانب مقترحات التعديلات على النظام الأساسي. انتهج المؤتمرون أسلوب التوسُّع في النقاش واللجان والتفاصيل في القضايا، ولأول مرة يستمع المؤتمرون إلى تداول كثيف صنف بعضه جسارة؛ لأنه قد تجاوز فيه المتحدِّثون الحواجز والفواصل الزجاجية التي كانت تحول ما بين القيادة والقاعدة «تجاوز المألوف».. ملاحظات عديدة ومهمة جاءت في ثنايا المؤتمر وهي جديرة بالتوقف عندها؛ لأن الاتجاه إلى الإصلاح المؤسسي يتطلَّب المواجهة بصدقٍ وتجرُّد، وهنا لم يكن غريباً أن ينتفض البروفيسور إبراهيم أحمد عمر وهو يدفع بجملة من الملاحظات والأفكار في الشورى والممارسة وذلك لأجل تحقيق الفاعلية في أجهزة الحزب وتحصين مصادر اتِّخاذ القرار ووضع أهمية قصوى في مواجهة المعطيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الماثلة، وهو أهم أدوات النقد الذاتي.. يتَّفق الجميع على وجود ضرورات ودوافع حتمت تغييرات أساسية في نظام الحزب الأساسي حتى يستجيب للتحدِّيات الداخلية والخارجية «للبلاد» عموماً والحزب «خصوصاً».. ومن أهم التحوُّلات انتفاضة الشعوب من حولنا وتنامي ظاهرة المناداة داخل أجهزة الحزب بالإصلاح ورفع ديناميكية لمواكبة هذا الضجيج والإجابة عن أسئلته.. والمتفحص بعمق يجد أن الإسلاميين في السودان وابنهم الشرعي المؤتمر الوطني هم الذين بادروا باستيقاظ الشعوب من ثباتها، فمن باب أولى أن يدركون خطورة تجاهل حالات التململ الداخلية والمطالبة بالإصلاح والمناصحة.. المؤتمر الوطني «رضي الناس أو أبو» صنع التميُّز وحقَّق ما فشل فيه الآخرون وذلك لأنه قد تحصن وحشد خلفه أهل السودان كافة بخلاف قادة ورموز أحزاب موازية فقد حشدوا خلفهم أبناءهم وعشائرهم متجاهلين بقية أجزاء السودان، أو لاعبين بذقون أبنائه وجعلهم جوغة للحشد «الخلافة الناعمة» فقد أصبح هؤلاء بلا أثر.. أي مواطن الآن بمقدوره معرفة المؤتمر العام للوطني، وشوراه ومكتبه القيادي وآجال انعقاده ولوائح تنظيم أعماله، أي مواطن في استطاعته معرفة كل هذه التفاصيل بدون كبير عناء، وهو أمر غير متاح لدى الآخرين من لافتات ودور الأحزاب الأخرى.. أن يقف حسن عثمان رزق ويقدِّم نقداً لاذعاً لهياكل الحزب ومضامين مهامها وفقدان حلقات من هيكل التنظيم واستئثار البعض بالسيطرة، هذا كله دليل صحة وعافية وتطوُّر متنامي في قدرات القيادات والقواعد وتجاوز حالة السكوت على الحق، فالمؤتمر الوطني هو الذي صنع الحكومة وليست هي التي صنعته حتى يتبعها ويضيع قضيته الأساسية في الإصلاح والتنمية ومن هنا تصاعدت نبرة تمكين المؤسسات ومضاء قرارها؛ لأنها المرجعية التي تستكمل الصورة وتقرأ المستقبل.. مسيرة عشرين عاماً من المدافعة والمكافحة عن القضايا الوطنية وحدها كفيلة بأن تجعل المؤتمر الوطني يسمع النصح ويتَّعظ من أخطائه وسلبيات أسلافه في تنمية تجربته التنظيمية وسلوكه في إدارة الدولة.. الدعوة للحكومة العريضة وضرورة إشراك الآخرين ليست عن ضعف لكنها خطوة موضوعية في أداء الحزب وقدرته الحفاظ على المسافة بينه وبين القوى الوطنية وأن يتحمَّل الجميع الهموم الوطنية بثقة متبادلة.. وأن تشارك الآخرين وتعمل معهم في إدارة دولاب الدولة وكل يذهب إلى حزبه تعتبر تقديرًا واحترامًا لهذه الأحزاب التي تلتقي عند وطن واحد تهمها مصالحه تحزن لحزنه وتفرح لفرحه.. جل ما ذكر في هذا الإطار وما كتب بمداد أهل الشأن في المؤتمر الوطني وما خرج من آراء لم يتجاوز الموجهات السياسية والفكرية للمرحلة المقبلة وما تشهده الساحة الوطنية من حراك اتسم بقوة الطرح في كثير من جوانبه مما يتطلب أن يبرز كل فكرته ورؤيته وتتم المزاوجة بينها وبين رؤى الآخرين لتشكل منهجاً للعمل الوطني المتجرِّد وعقيدة سياسية جديدة تتأسَّس عليها عقائد وقواعد العمل المشترك.. المؤتمر الوطني إذ يقدِم على هذا التحوُّل فهو صاحب السند الشعبي والجماهيري.. أخيراً نقول إن المؤتمر الثالث قفز نحو اتساق الهياكل في كل مستوياتها الاتحادية والولائية والمحلية وفق ما طرأ من معالجات لكل الملاحظات والتشوّهات على النظام الأساسي واللوائح خلال المدة السابقة بجانب الملاحظات التي أوجدتها الحالات والوضع الجديد كانفصال الجنوب وتغيير الخارطة الجغرافية والاجتماعية بالبلاد.