عائشة الزاكي فن العمارة ليس دراسة فحسب، بل تاريخ ينتقل من جيل الى آخر. ويمثل فن العمارة أهم الفنون التي عرفها الإنسان منذ الأزل، ويسعى لتطويرها وتمجيدها حفاظاً على الموروثات الحضارية والثقافية.. وبداية العمران كانت بالسعفيات في منطقتي الشمالية ونهر النيل حيث يكثر النخيل بناء «الخوص»، ثم تطور وانتقل إلى بناء الجالوص وما زال موجوداً حتى الآن في العاصمة المثلثة وأحياء أم درمان العريقة وحوش الخليفة الذي يمثل منارة أهل السودان. إلى ان تطور فن العمارة واستخدمت المواد الحديثة فى البناء مثل البلوك والطوب الحراري والسراميك والبورسلين... «الإنتباهة» في هذا السرد وقفت مع بدايات فن العمارة في السودان وحاولت الدخول من عدة نوافذ تاريخية للموضوع: منزل الخوص تتركز صناعة الخوص في السودان في مناطق زراعة النخيل والدوم مثل الشمالية ونهر النيل وتعتمد اعتماداً كليا ًعلى النخيل، وصناعة الخوص التي كانت تعتبر من اهم ضرويات الحياة التي تؤمن معظم احتياجات الأسر والمنزل.. وهذه المنتجات هي السعفيات التي تتقنها المرأة النوبية لكثافة زراعة النخيل في المنطقة، وكانت منازل الخوص تكسو المنطقة مما سهل للمرأة ممارسة بنائها واتخذتها حرفة ومهارة يدوية بالنسبة للرجال والسيدات وتقاس بها مهارة المرأة في بناء الخوص وجودته ويتم اختيار من تقوم ببناء الخوص من قبل الرجال كزوجة. والسعفيات أو الخوص تزين العديد من بيوت المواطنين في ذلك الوقت، ولا يزال البعض يزين منزله الحديث بذلك التراث الذي فيه أصالة الماضي الريفي، فكثير من الأمهات لا تزال تحرص على حياكتها. طريقة البناء يتم جمع سعف النخيل من المزارع حيث يتم صبغه وتلوينه بألوان مختلفة ويترك ليجفف ويستغرق ما بين«3 إلى4 أيام»، وتتم عملية البناء، وفي الغالب لا يتم التلوين ويترك على حاله باللون الأبيض. دخول الجالوص دخل الجالوص في القرن التاسع عشر مع دخول المهدية، وتم بناء حوش الخليفة من طين البحر أو الطين «اللبن» وانتشر في بقية أحياء أم درمان العريقة مثل حي العرب والملازمين وبيت المال وأبوروف. ويكون السقف الخارجى من الزبالة وهنالك جنسيات مختلفة تبدع في بناء الجالوص وتشكل منه منازل في قمة الروعة والجمال واستمر تطوير الجالوص وانتقل الى الطوب المحروق او الطوب الأحمر الذي يعمل في الحيطة الخارجية لمنازل الخرطوموأم درمانوالخرطوم بحري بنظام «قشرة» ويكون المنزل من الخارج طوباً أحمر والداخيلة من الطوب الأخضر، وفي بداية القرن العشرين جاء نظام سقف «الخفجة» أسمنت ورملة وكمر حديد كبير وعدد من الأخشاب التقيلة للحماية من الحرارة وعوامل الطبيعة. وكانت تتبع لشركات أجنبية للبترول مثل شركة «شل» «وكالتكس»، وبداية المعمار في السودان وأول خطة سكنية للخرطوم في عشرنيات القرن الماضي. فالخرطوم يحدها النيل الأزرق شمالاً وموقف جاكسون شرقاً ووزارة الدفاع وجامعة الخرطوم وغرباً إشلاقات البوليس كان بالطوب الأحمر بالقشرة وما زال موجودا في بعض مناطق الخرطوم. وبعد الجالوص بنيان الحجر مع الأتراك في الدواوين الحكومية مثل وزارة المالية والبوستة والفندق الكبير وبقية المصالح الحكومية، وبعد ذلك جاء نظام «العقد» الذي بدأ في حي باربيس جنوب كوبري الحرية بنظام الخرصانة وتحديد المباني من المونة الحرة أسمنت ورملة، وتوقف البناء بالطوب الأخضر في بداية الخمسينيات. وفي عهد عبود تطور البناء وتوقف البناء بالجالوص نهائياً بالطوب الاخضر. وأصبح المسلح وحديد التسليح.. ماعدا بيوت الإنجليز كانت من طابق واحد في السابق.. وامتداداً لتطور البناء من طابقين وهذا حدث في حي العمارات بالخرطوم في عام«1959» نظام طابقين او أكثر وهي منازل سكنية تبدأ من شارع «1 الى61»، وهي تعويض تخطيط منطقة الديم. بداية الطوابق والشقق في عام «1970» شيدت أول عمارة وهي مجمع الفيحاء الذي يتكون من «8» طوابق وعمارة قرنفلي« وإخزخانة قرنفلي من «10» طوابق التي تقع في تقاطع شارع القصر مع الجمهورية وحالياً بنك تنمية الصادرات وفندق الهيلتون الذي يتكون من «10» طوابق. وفي عهد عبود انشئت عمارة الشيخ الأمين التي تتكون من «5» طوابق وفي ذاك الوقت كانت أعلى طابق عمارة الفيحاء. ويمنع تصديق الطوابق لانها مرتبطة بالخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي والبيئة إلا بموجب ضوابط تتطابق مع المواصفات المطلوبة في ذاك الوقت، وبعد أن انتشرت العمارات في جميع انحاء العاصمة من مؤسسات وشركات ومراكز تجاريه. وفي الآونة الاخيرة ظهرت في العاصمة المثلثة أبراج ومباني ناطحات السحاب الزجاجية وفن الديكور والبروسلين والرخام والنوافذ الزجاجية الملونة والتغليف بالكرتين لإضافة لمسات جمالية بدلا من الطلاء بالمواد التقلدية مثل الأسمنت والجير. والتي لا تتناسب مع طقس السودان والخدمات الضرورية غير متوفرة. وهذا ما أفادنا به الأستاذ أحمد نور معاشي ومن أقدم سكان الخرطوم. أماكن.. تتنوع التصاميم ما بين الكلاسيكي والشرقي وكذلك الألوان والنقوش والرسومات لتأتي مناسبة لمختلف أنواع وطراز الديكور الداخلي، وتستخدم بعض إكسسوارات السيراميك لحدائق ومداخل المنزل والمكاتب، وغالباً ما تزين الممرات على جانبي السلالم الداخلية، كما توجد بعض الفازات المصنوعة من السيراميك الصغير الحجم وايضاً يستخدم البورسلين كأكسسوارات في الحمامات وخاصة على جانبي المرايا أو في الأركان، وهذا يتوقف على مساحة الحمامات وطراز الديكور، كما أن البورسلين إضافة فنية للديكور ووضعه في الصالات والقاعات الفخمة أو الصور الجدرانية مع إنارة منخفضة تزيد من المكان تألقاً ورقياً. وهذا ما أفادنا به المهندس الزاكي محمود الزاكي.