لسبب ربما لا يخفي على الفطنة المستمدة من النظر البعيد المدى برؤية ثاقبة وبصيرة نافذة إلى ما وراء الأشياء والأحياء، فقد تداعت إلى ذهني عندما علمت بما جاء في الأنباء المعلنة عن ندوة مهمة، في دلالتها ذات المغزى، يعقدها مساء اليوم اتحاد المحامين، ويتحدث فيها الزعيم التاريخي للحركة الإسلامية للنخبة السودانية والمعاصرة وملهمها ومرشدها د. حسن الترابي، كمتحدث رئيس مع آخرين، للتعليق على التعديل الدستوري والمفصلي المرتقب والمنتظر وما يثيره من جدل. وحيث يأتي ما سيدلي به شيخنا الترابي بصفته عالماً أكاديمياً وخبيراً دستورياً وحكيماً سياسياً مرموقاً، إضافة إلى منصبه وموقعه الحزبي الحالي كأمين عام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض والمنشق عن حزب المؤتمر الوطني الحاكم منذ حدوث المفاصلة الشهيرة بينهما في أواخر القرن الميلادي العشرين المنصرم، وحتى حدثت العودة الراهنة والمفاجأة الكبرى المتمثلة في ما يجري بينهما من تقارب ربما قد يفضي ويؤدي وينتهي إلى توحدهما مرة أخرى كما يرى ويشفق ويرحب البعض من بين المراقبين والمتابعين لذلك في الوسط السياسي والفصائل المختلفة الدائرة فيه والمتفاعلة معه والمنفعلة به على الصعيدين الداخلي والخارجي.. تواردت وتداعت إلى ذهني في سياق مثل هذا الإطار للرؤية عندما علمت بما جاء في الأنباء المشار إليها، وما سيجري من قول فصل بشأنها مساء اليوم، خواطر شتى حول ما أدلى به شيخنا الكبير وأستاذنا الجليل د. الترابي في ندوة قد يجوز وصفها بالمماثلة جرى انعقادها في أواخر العهد الديمقراطي للتعدد الحزبي السابق، وقبل فترة وجيزة من الإطاحة بها بانقلاب ثوري مدني وعسكري أقدمت على القيام به الحركة الإسلامية للنخبة السودانية الحديثة والمعاصرة. ففي تلك الندوة المنصرمة أو السابقة، التي كان قد جرى انعقادها حينها في الميدان الشرقي لجامعة الخرطوم ، أدلى د. الترابي بإفادة تاريخية معبرة عن الرؤية التي كان يستند ويرتكز عليها وينطلق منها حينها في تلك الحقبة الفاصلة والحاسمة والحازمة في عزمها وإرادتها النابعة من وجود ضرورة ترى أنها كانت ملحة وضاغطة في الإشارة إلى النهاية التي وصل إليها ذلك النظام الديمقراطي القائم على تعدد حزبي ثبت وبرز وظهر وطفح وتأكد عجزه وفشله وقصوره، والخطورة التي صارت ماثلة وشاخصة بكل ما تنطوي وتحتوي عليه من حدة بالغة في شدة الوطأة التي ربما قد تنبع وتنجم منه وتنتج عنه وتترتب على استمراره، إذا لم تتم المسارعة بالقضاء عليه واستبداله واستدراكه بتغيير ثوري وجذري. ولعل من الكلمات الموحية التي جاءت واردة على لسان د. الترابي في تلك الندوة الصاخبة والثائرة وذات الطابع التاريخي، إنه ذكر أن القوى السياسية الحاكمة والمعارضة التي كانت سائدة وطاغية وطافحة وطامحة وطامعة في تلك المرحلة والحقبة الأخيرة والحالة المتردية والمتأخرة للنظام الديمقراطي والتعدد الحزبي السابق، كانت قد صارت متجنحة ومترنحة ومنحرفة وفاسدة وفارغة وخاوية ومنجرفة إلى السقوط في هاوية ساحقة ومهلكة ومدمرة أحاطت بها وسيطرت وهيمنت عليها وأخذت وطفقت تدفعها إلى حتفها وتسوقها وتسوق لها حفر قبرها بنفسها وظلفها. وهكذا فإن السؤال الذي طرح وفرض نفسه بقوة، ضمن الخاطرة الواردة والمتداعية بناء على ما جاء في الأنباء المعلنة والمتعلقة بالندوة المهمة التي من المنتظر أن يكون نجمها والمتحدث الرسمي والرئيس والمحوري والأساس بدار المحامين مساء اليوم هو أستاذنا الكبير وشيخنا الجليل د. الترابي، سيظل هو إذن، يا ترى ما الذي يمكن أن يدلي ويوحي ويبشر ويلهم به ويشير ويرشد ويدعو إليه د. الترابي عندما يتحدث عن التعديل الدستوري المفصلي المعلن عنه من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم والسيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب المشير عمر البشير، والذي من المرتقب والمنتظر أن يتم الانتهاء منه وإعداده في شكله ومضمونه النهائي من قبل لجنة رفيعة المستوى تم تشكيلها وتكليفها بإنجاز هذه المهمة وإجازتها وتمريرها في البرلمان. وهي اللجنة التي تضم في عضويتها كلاً من النائب الأول السابق والمساعد الأكبر السابق للسيد رئيس الجمهورية ورئيس الحزب الحاكم الأستاذ علي عثمان محمد طه ود. نافع علي نافع وآخرين من كبار القياديين المخضرمين السابقين والحاليين في الحزب والدولة الحاكمة القائمة.