من الاخبار الفاجعة والمحزنة ما أوردته صحف الأمس حول استشهاد شرطيين وإصابة اثنين آخرين إثر إطلاق أعيرة نارية عليهم أثناء تأدية واجبهما للقبض على معتاد إجرام بمنطقة سوبا جنوبالخرطوم، كان يواجه تهماً بالسرقات وأثناء بحثهم باغتهم باطلاق أعيرة نارية ناحيتهم، وبالطبع هذا الشخص الذي اطلق النار على هؤلاء الشباب لم يكن في مخيلته انهم وبطبيعة مهمتهم ونص القانون كانوا ينون القبض عليه كمتهم وليس مجرماً يستحق العقوبة، فإذا تم القبض عليه سيتم مع تحقيق للكشف عن عناصر الجريمة التي ارتكبها ثم يحال بعد انتهاء التحقيق الى النيابة، والتي بدورها تحيله للمحكمة وعلى هذا الافتراض اعتقد ان الشرطة لم تطلق عنان سلاحها او تستعد لمواجهة عدو مسلح حتى غدر بهم، ومع كامل الحزن على منهج واسلوب الجرائم التي ارتكبت على افراد الشرطة من قبل المجتمع الا انني اقول ان هناك حالة تساهل من الشرطة في تطبيق قواعد الاحتراس والتحسب، وقبل شهرين او تزيد كانت حادثة السجل المدني بالمقرن عندما اقدم احدهم على التعدي على رجال الشرطة بمدية ثم هرب، وبالامس تكررت مع الشرطة في سوبا ثم هرب الجاني ويقيني ان هناك عدم وعي من المجتمع بضرورة الأمن وإشاعة الطمأنينة، لان المجرم نفسه من حقه ان يأمن على نفسه وأسرته، وان يكون الفيصل هو القانون الذي لا يحمي المغفلين وانما يعمل وفق العدالة المنصوص عليها، ولابد من التأكيد بان الأمن مسؤولية مجتمعية يطبقها الفرد والجماعة قبل الأجهزة التنفيذية سواء كانت الشرطة اوغيرها، فإذا لم يعمل المجتمع على اهمية ازالة كل التشوهات الأمنية ومظاهر المخاوف لن يعيش آمناً لان الشرطي واحد من عناصر المجتمع فهو جزء أصيل من المجتمع فقط موكل اليه حفظ الأمن في أوقات السلم، والشرطة في مسؤولياتها وطبيعة عملها اقرب للأجهزة المدنية ورجل الشرطة ليس عدواً للمجتمع حتى يتم الاعتداء عليه من حين لآخر، ولكن ما يعاب على الشرطة السودانية انها تمارس مهامها بطبيعة الشخصية السودانية المسامحة، وهذا لا يتناسب مع كل الظروف فرجل الشرطة الذي يكلف بفض الشغب والمشاجرات عليه بان يستعين بتطبيق قواعد ومضامين الشرطة. اما الجمهور السوداني نفسه بحاجة الى حملات إعلامية توعوية وتثقيفية وحثه على الاضطلاع بدوره كاملاً في الوضع الأمني باعتباره مسؤولاً من الناحية الانسانية والوقائية والرقابية لمنع وقوع الاحداث وتفاقمها، فبالتالي بالضرورة يدرك المجتمع ان الشرطة ليست عدواً له وانما تحافظ على أمانه وسلامه وحتى المجرم اوزعيم العصابة في نظر ومفهوم الشرطة انه يمكن إصلاحه والعمل معه على اساس ترك السلوك المشين والإجرام والإقبال على منهج الاصلاح، وصلاح المجتمع في كل جوانب الحياة اليومية في المنزل والأسرة والسوق والخدمة العامة ،ومن أسوأ المخاطر على التماسك الداخلي وقوة الدولة ومنعتها ان يصبح رجل الشرطة عدواً للمواطن او ان ينظر المواطن للشرطة التي هي في حمايته بانها عدوه الذي يفترض ان يقاتله، ومن شكل الذي يدور ويحدث من وقت لآخر لابد من مراجعة شاملة لكل وظائف المجتمع وإحكام السيطرة على العلاقة ما بين الأمن والمجتمع ومن ثم تكامل العلاقات الأخرى في وجهها الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي، وذلك لترسيخ مفهوم الامن مسؤولية الجميع حتى يمهد الطريق للدولة في السيطرة على الصراعات الداخلية من خلال توازن المجتمع وتقليل العنف الذي بات يؤثر كثيراً على قوة الدولة وقدرتها في التحكم والسيطرة داخلياً وخارجياً سيما في الأطراف وبعض الولايات التي تشهد اضطرابات الان، ومن الحقائق التي تقتضي الضرورة قولها ان تكرر الحالات في ولاية الخرطوم يتحمل مسؤوليته في المقام الاول والي الولاية الدكتور عبد الرحمن الخضر، الذي في عهده شهدت ولاية الخرطوم عدة اختراقات وجرائم لم تشهدها في تاريخها المعاصر، حيث فشل الوالي في تحصين الولاية ووضع يده على كميات السلاح والذخائر داخلها برغم ان المسؤولية يشترك معه فيها آخرون، الا انه رأس الرمح في تحمل المسؤولية ويتحمل العبء الاكبر لانه رئيس لجنة امن الولاية والمسؤول التنفيذي الاول، فكثيراً ما تقع الحوادث البشعة ولم نجد تدخلاً سريعاً من سلطات ولايته لحسمها، وفي مقدمة الاحداث ما وصم بأحداث سبتمبر إبان زيادة المحروقات والتي لم تتمكن سلطات ولاية الخرطوم ان تسدد تعويضات أضرارها حتى اللحظة، فالحكومة إذا أرادت ان تعصم عاصمة البلاد من الانحرافات والانزلاقات عليها اولاً بتغيير السلطة الحاكمة بالولاية، ثم إعادة ترتيب الأولويات في المسؤوليات والمؤسسات المتعاونة الأخرى في مجال امن العاصمة ومواجهة بعض التفلتات والجرائم التي شهدتها العاصمة، والمؤسف كان الضحية فيها رجال الشرطة الموقرون، وما اريد تأكيده ان بعض المظاهر لا تأتي من فراغ مثل الاحداث التي ظلت تشهدها منطقة سوبا ومع رجال الشرطة تحديداً هي ربما تكون جزءاً من عمل سياسي ممنهج في شكل جريمة لكسر هيبة الشرطة وطوق الامن وإحداث فراغ امني لتخويف المواطن بانه ليس محمياً من الشرطة التي لم تملك سلطة حماية نفسها وتحويل العلاقة بينه والشرطة الى تنافر وتضاد، ونختم ونقول لابد من سلطة تنفيذ رادعة للقانون تجعل المواطن والمؤسسة تحترم القانون ونصوصه، ثم لابد من تفعيل دور المجتمع وتعاونه مع الاجهزة في الوقاية الأمنية بقدر يحقق اكتشاف الجريمة قبل وقوعها، وهذا لا ينجح بدون فهم معمق للمواطن ودوره وكذلك استيعاب كامل لدور الشرطة في التعامل مع الاحداث كل بحجمها مع الحفاظ على العلاقة الودودة بين المواطن والشرطة التي يقدم أفرادها أرواحهم رخيصة من اجل سد الثغرات والمنافذ التي تدخل من خلالها الجريمة ومن ثم إشاعة الانضباط المجتمعي والسلوكي وهذا لا يتم الا باحترام القانون وسلطة تطبيقه على الجميع بلا استثناءات، نسأل الله ان يتقبل شهداء الشرطة ويضمد جرحاهم فهم ابناء هذا المجتمع يسهرون من اجل ان ينام الجميع في أمان وسلام وطمأنينة .!!