في تلافيف الذاكرة التي أوشكت أن تتآكل حكاية ذلك الشيخ الانصاري، نسبة لأنصار المهدي وليس السنة، فقد كان يشتم التلميذ الذي في حلقته «بليد يا كلب» رغم كل زملائه المشايخ يشتمون الاغبياء في حلقاتهم بليد يا حمار، وللبت في بلادة الكلب والحمار من عدمها يحول الموضوع لخدمات البروف ود الريح، وشيخنا الانصاري كان بارعاً في علم المواريث، وذات أصيل كان الدرس عن المسألة العمرية، أو الحمارية أو الحجرية، أو المشتركة أو اليمية وكل تلك أسمائها، وكثرة الأسماء تدل علم عظم المسمى كما يقولون، وصورتها هلاك زوجة، وتركها لزوجها، وأمها وأخوتها من أمها، وإخوتها الأشقاء، والشيخ يطنب في الشرح، في «شرح متن الرحبية» فيقول للزوج النصف وللام السدس، والباقي للاخوة من الأم ولا شيء للإخوة الأشقاء، فغضب هؤلاء جداً لحرمانهم، فهرعوا إلى عمر رضى الله عنه فقالوا ألسنا أخوة نشترك معهم في الأم، بل وصل بهم الغضب أن قالوا لعمر هب أن أبانا حمار «يا لطيف» أو حجراً أو لسنا أمنا واحدة؟ فقيل أن عمر اقتنع بمنطقهم فأشركهم مع الإخوة لأم، ولكن العام المقبل منعهم، وقال: لا أعلم لكم حقا في كتاب الله فذكروه بشتريك العام الماضي فقال: ذاك حكم، وهذا حكم فقال الشيخ، متحذلقاً، وقد يجول في عقولهم الضحلة أن هذا تناقض من عمر، وزميل لنا لا يفهم من الشرح الممل إلا آخره، فصاح لأنه أصلاً كان خارج نطاق دائرة الشرح: بل التناقض منك أنت يا شيخ، فأرعد هذا بدوره وأبرق وأمطر شتائمه على الزميل المسكين «أسكت بليد يا كلب وابن كلب وحفيد كلب، وغمز جار الزميل المسكين بعينه، وقد عرف من أين تؤكل كتف شيخنا، قائلاً إن اباه وجده من خيرة أنصار المهدي في الزمن السابق، هنا خفض سيدنا صوته وقال بما يشبه الرهبة عليهما السلام من رجلين صالحين، ولكن سبحان الذي يخرج الميت من الحي، وأردف الزميل المفتح وهو يا سيدنا، فمرة أخرى تنمر وجه سيدنا وقال: لا لا ادخل الكلاب في زمرة الصالحين، فضجت الحلقة بالضحك المكتوم خوفاً من سوطي لسانه وكرباجه، ما علينا، ولا شك أن ذلك الكلب الحقيقي الذي دافع عن صاحبه حتى مات دونه إلى درجة أن جعل له مراسم جنازة كالآدميين، وجلس في داره متقبلاً العزاء في الفقيد، منزلاً له منزلة من لبس الثياب، فمن عزاه في كلبه بدله تعزية بتعزية ومن لم يعزه في كلبه لم يعزه في أمه ولا أبيه، إذا ماتا. ورغم مبالغة الرجل الا أن كلبه أفضل عندي الف مرة من هذا الرجل الذي دعا الاعداء الى احتلال بلاده واستباحتها نظير لعاعه من الدنيا تسمى جائزة ضخمة، وبمجرد أن أحتل العدو بلده أمر القائد ان يقتلوه شر قتلة، بسبب خيانته لبلده وحجة القائد ما الذي يمنعه من خيانتنا بعد ذلك، وقال ساخراً جائزتك الكبرى على خيانك بلدك هي قتلك.. برافو ايها القائد. بعض الكلاب التي تهر ليلا وتتحرش باللصوص وزوار الليل أفضل من هذا الشيخ الستيني الذي أضحى قاب قوسين أو ادنى من ضمه القبر، ومازال يبصبص بذيله ويتلفظ بشفتيه كلما رأى صغار الفتيات زينة البيوت اللاتي تفصله عنهن مليار سنة ضوئية، مبرراً ذلك بأن قلبه مازال في ربيع الباب.. خسئت يا مسليمة الكذاب. وبعض الكلاب أفضل من موعود الخمسين الذي في غفلة من الزمن تبوأ منصباً مرموقاً، وجمع ثروة وركب فارهة، وسكن قصراً، وبدل شكر الله على هذه النعم، تسربلته النفس الشهوانية، وتحيون تماماً وراح يرتكب من الفظائع ويفعل من المخازي، ما يستحي منه إبليس الأبالسة بشحمه ولحمه، والمسكين مبرراً لذلك بعذر أقبح من الذنب بأنه عاش طفولته وشبابه في فقر مدقع، وهو يود تعويض ما فاته من جنون الشباب الطائش، ولو بأثر رجعي مسكين يا موعود خمسين. وبعض الكلاب أفضل من موظف الدولة هذا، الذي ارتبطت مهنته بمصالح الجماهير، فكل لياليه في قيل وقال وتبذير المال، وعند ساعات النهار ودوام العمل تجده يغط في نوم عميق على كرسيه ويتفنن في تعذيب خلق الله كذباً وزوراً، فالمدير في مهمة خارجية امشى وتعال بعد شهر، والسيد الفلاني مات جار ابن خاله غير الشقيق، فذهب المقابر، والسيد الفلاني في عمرة رمضان وقد يكون الشهر جمادي الأولى، إلى آخر الاسطوانة المشروخة، فهذه النماذج البشرية وغيرها لا شك أن بعض الكلاب أفضل منها والله أعلم.