الأمر لا يتعلق بالإسلاميين أو الشيوعيين أو غيرهم    الخارجية: رئيس الوزراء يعود للبلاد بعد تجاوز وعكة صحية خلال زيارته للسعودية    الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يستقبل رئيس وزراء السودان في الرياض    شاهد بالفيديو.. فنانة سودانية تنفجر غضباً من تحسس النساء لرأسها أثناء إحيائها حفل غنائي: (دي باروكة دا ما شعري)    طلب للحزب الشيوعي على طاولة رئيس اللجنة الأمنية بأمدرمان    الخلافات تشتعل بين مدرب الهلال ومساعده عقب خسارة "سيكافا".. الروماني يتهم خالد بخيت بتسريب ما يجري في المعسكر للإعلام ويصرح: (إما أنا أو بخيت)    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالصورة والفيديو.. بأزياء مثيرة.. تيكتوكر سودانية تخرج وترد على سخرية بعض الفتيات: (أنا ما بتاجر بأعضائي عشان أكل وأشرب وتستاهلن الشتات عبرة وعظة)    البرهان: لن نضع السلاح حتى نفك حصار الفاشر وزالنجي وبابنوسة    ترامب : بوتين خذلني.. وسننهي حرب غزة    شاهد بالصورة والفيديو.. حصلت على أموال طائلة من النقطة.. الفنانة فهيمة عبد الله تغني و"صراف آلي" من المال تحتها على الأرض وساخرون: (مغارز لطليقها)    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    نادي دبيرة جنوب يعزز صفوفه إستعداداً لدوري حلفا    يوفنتوس يجبر دورتموند على التعادل    أول دولة تهدد بالانسحاب من كأس العالم 2026 في حال مشاركة إسرائيل    900 دولار في الساعة... الوظيفة التي قلبت موازين الرواتب حول العالم!    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    د.ابراهيم الصديق على يكتب: معارك كردفان..    رئيس اتحاد بربر يشيد بلجنة التسجيلات ويتفقد الاستاد    عثمان ميرغني يكتب: المفردات «الملتبسة» في السودان    إحباط محاولة تهريب وقود ومواد تموينية إلى مناطق سيطرة الدعم السريع    محمد صلاح يكتب التاريخ ب"6 دقائق" ويسجل سابقة لفرق إنجلترا    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل خاص حضره جمهور غفير من الشباب.. فتاة سودانية تدخل في وصلة رقص مثيرة بمؤخرتها وتغمر الفنانة بأموال النقطة وساخرون: (شكلها مشت للدكتور المصري)    السعودية وباكستان توقعان اتفاقية دفاع مشترك    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    غادر المستشفى بعد أن تعافي رئيس الوزراء من وعكة صحية في الرياض    تحالف خطير.. كييف تُسَلِّح الدعم السريع وتسير نحو الاعتراف بتأسيس!    دوري الأبطال.. مبابي يقود ريال مدريد لفوز صعب على مارسيليا    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وزير الثقافة الأسبق بولاية الجزيرة بروفيسور إبراهيم القرشي ل «نجوع»: «1-2»
نشر في الانتباهة يوم 09 - 12 - 2014

قال لي: كتبت ودرّست في الجامعات ثم استوزرت وماعرفني الناس إلا من خلال (في رحاب الحبيب).. برنامجه التلفزيوني.. الذي يفخر به كثيرًا إضافة إلى برامج أخرى في إذاعات مختلفة.. مثل(روائع المديح) (رياض المديح) (أسمار في التراث) في إذاعة ساهرون وحديث السمار في تلفزيون ود مدني..
ذلك هوالبروفيسور إبراهيم القرشي الوزير الأسبق بولاية الجزيرة حيث جلس في كرسي الوزارة ثلاث سنوات.. متعدد الاهتمامات لم تشغله الأكاديميات عنها صاحب قلم رشيق وكلمة طيبة وتواضع جم وليس غريباً على من ينهل من مدرسة الحبيب.. تحسده على استثماره للوقت في زمن يتساقط منا الزمن ولانكاد ندركه فهوبين البرامج والتدريس يدرس النحووالصرف والقراءات القرآنية والعروض الأدب بفروعه، والكتابة للصحف والنقد وتقديم المحاضرات في اللغة والتراث والأدب.. التقيناه وكانت إجاباته على محاورنا أشبه بالمحاضرة ثقافة ودسامة..
= اهتمامات كثيرة في الثقافة والأكاديميات.. كثيراً ما نتساءل عن سبب التعدد والاهتمامات الثرة في آن واحد.. وهوما يفتقده الجيل الحالي؟
تنوع الاهتمام في الثقافة لعله ناتج من تنوع الثقافة ذاتها، ومن وجد مجالاً للقول فإنه يقول.. فهذا السودان المتعدد اللغات والقبائل واللهجات والألوان والبيئات الجغرافية والمناخ والمعتقدات والأديان والاعراف والتقاليد ونحوها، وَفَّر جواً مثالياً للحراك الاجتماعي المتعدد المتنوع بتعدد ماذكرته وتنوعه. والثقافة في بعض تعريفاتها هي مجمل الممارسات الاجتماعية التي من خلالها يجري إنتاج المعاني ونشرها وتبادلها؛ فاللغة وعاء الممارسة وهي في نفسها مجال واسع للباحث؛ فالعامية السودانية التي استوعبت معظم نواتج الحراك هي مزيج من مكونات متآلفة تنداح في سلاسة لا يقف عندها المتحدث العادي بها، من منا وقف يوماً عند كلمة (عنقريب أوتيراب أوكوريق) إلا أن يتعمد ذلك باحث أودارس. فالعنقريب بجاوية والتيراب فوراوية والكوريق نوبية وهي تسير مع أخواتها العربيات في وئام وأداء متناغم، تجد ذلك في الشطرة الواحدة من مقطع الدوبيت يقول أحدهم:
يوماً كربتيت ويوماً عشانا ربيت ** ويوماً نسف التابة وعليها نبيت
فالكربتيت هوالكربدة وهي ضرب من سير الابل وهي عربية، والربيت هو الإهالة أو بقية الشحم المذاب وهي بجاوية، والتابة هي التنباك وهي فوراوية يترنم الناس بذلك ولا يعنيهم من أين جاءت ما دامت دارجة ومعروفة ومفهومة. ومن هنا يأتي تعدد الاهتمام؛ لأن اللغة تقودك مثلاً إلى العادات والتقاليد فحين تقف عند كلمة مثل (التقميع) وهو من القمع ذلك الشكل المدبب المخروط في التمر ونحوه.. تقول المرأة: قمعت البامية إذا قطعت رؤوسها بشكل مدبب يمنع خروج البذور.. ومنه تقميع الحناء في الأصابع. والحنة وأصلها ونقشها وأشكالها وأغراضها مبحث في العادات والتقاليد طويل. فتكون اللغة قد اسلمتك إلى العادات ثم تنظر في اعتقادات الناس في الحناء بحسب دينهم واعتقاداتهم. إذن مفردات التراث وعناصر الثقافة يأخذ بعضها برقاب بعض فيجد الباحث نفسه في تنوع مستمر، ومتى اشتغل بذلك أو بعضه وأصَّل له بدأ وكأنه يعمل في حقول مختلفة وله اهتمامات متعددة.
أما التعدد الأكاديمي فهو داخل التخصص الواحد، وما أكثر فروع العربية. درسنا في جامعة الخرطوم وقد أخذت مناهجها على نفسها بأن يتخرج الدارس فيها وقد أخذ من كل علم بطرف ثم يتخصص، وهذا نفسه مسلك ثقافي.
بل قد تتيح بعض الكليات لدارسيها الاستفادة من تخصصات كليات أخرى فقد درسنا الآداب في جامعة الخرطوم ثم أتيحت لنا فرص في كلية الاقتصاد فدرس بعضنا العلوم السياسية وبعضنا علم الاجتماع أو علم الأجناس وقد أخذنا من ذلك بنصيب. ولعل من محاسن كلية الآداب بجامعة الخرطوم وخصوصاً قسم اللغة العربية أن الدارس لا ينقطع للتخصص إلا بعد أن يمر بفروع اللغة الاْخرى ويأخذ من كل فرع بنصيب. وهذا ما يجعل طالب العربية المتخرج فيها إذا توجه للتدريس مثلاً يدرِّس جميع فروع العربية لا يعجزه منها شيء. فلا غرابة أن ادرِّس النحو والصرف والقراءات القرآنية والعروض والأدب بفروعه إذا كان هذا هو التعدد الأكاديمي الذي تعنين .. وإذا تنبه متنبه لذلك فعسى أن يجده طبيعياً لأن العربية كلها ما ازدهت ولا ازدهرت إلا بخدمة القرآن، وكلنا يحتاج إلى كل هذه العلوم لمعرفة القرآن معرفة صحيحة.
ثم إن المتخرج يرى أن للمجتمع ديناً عليه، فكيف قضاؤه لمن هم خارج قاعات الدرس؟ والذي يدرِّس النحو والصرف والقراءات القرآنية والعروض والأدب بفروعه في الجامعات ما عسى اْن يفعل لقضاء دين المجتمع والعامة؟
هو قطعاً محتاج لشيء يناسب هؤلاء ومن هنا يخرج باللغة من قاعات الدرس إلى تراث العامة وحصيلتها الثقافية بحثاً وتأصيلاً فينظر في عاداتها وتقاليدها وأعرافها وفي أشعارها الدارجة وموسيقاها وأغانيها وفي أخلاقها وقيمها وفي أمثالها وقصصها الشعبي فيكون بذلك قد ردَّ بعض الدين الكبير.. وقد يكتسب صفة التعدد التي اْثارها سؤالكم العريض.
أما الجيل الحالي فهو بخير، يحسن أموراً لا نحسنها، وقد خلق لزمان غير زماننا. ولكنا قصرنا في حقه إذ لم نقدم له ولا لغيره ما عندنا أو قدمناه مشوهاً. ولم نُعِنْهُ على الوقوف على قاعدة صلبة من المعرفة بتراثه وأصوله منذ نعومة أظافره. أخلينا مدارسه من المسارح والجمعيات الاْدبية وليالي السمر، وغسلنا مناهجه من كل ما يربطه بترابه وتراثه، فلم يعرف شظف العيش والجد في الخلاوي، ولا سمع بسبل كسب العيش في السودان ولم تطرق أذنه القولد ولا الجفيل ولا ريرة ولا عرف محمد طاهر ولا صديق ولا أندريَّه ولا إسحاق.. وتلك كانت ممسكات الوحدة وروابط الوطنية.. هم معنا كما قال الأول:
ألقاهُ في اليَمِّ مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتلَّ بالماء
= لوكنت وزيراً للثقافه الاتحادية ماذا كنت فاعلاً؟
قد عرضت علي ولكن (التوبة ياحبوبة)... العبء ثقيل على متولي هذا المنصب، والناس ينتظرون منه ما لا يقوى إلا على معشار عشره وحديثنا عن دعم الثقافة نظري، ولكن إن كان لا محالة فتقديم الأولويات وتجنب الصرف على ما لا يعود بفائدة وإشراك المجتمع للاضطلاع بمسؤوليته خصوصاً الشركات الكبرى وأهل المال عموماً لأن المال كما هو مقرر عصب الحياة وعصب الحراك الثقافي، وبالطبع (الفي البر عوام) ولكني أهمس في أذن أهل الشأن بأننا ما نزال مجهولين لدى كثير من الأمم على الرغم من الانفتاح الفضائي الضخم. لابدّ من الاختيار بعناية لوفود العلم والفنون والإبداع للمحاضرة عن السودان وإبراز وجهه المشرق والتعريف به واهتبال السوانح واختلاق الفرص. فإن الجدل ما يزال قائماً لدى بعضهم في عروبة السودان وإفريقيته، والأمر محسوم عندنا تماماً فنحن لا نقول إلا بالاثنتين معاً. نحن أفارقة وعرب، أخذنا من الفريقين الحسنيين إن شاء الله، ولايسرنا بل ولا يسعنا أن ننتسب لأحدهما دون الآخر.
ولما كانت الثقافة هي آلة الانصهار فإنني أنادي بتدريس لغات السودان المحلية للناشئة مثلما يتبارون في دراسة لغات العالم. فمعرفة اللغات المحلية أكبر ضامن للوحدة وأعون شيء على السلام، لا من باب (من عرف لغة قوم...) ولكن بمعرفة هذه اللغات تُسْبَرُ أغوار النفوس وتعرف دقائق الثقافات وفيها من الإلفة والحميمية مالا يجلبه مال ولا جاه ولا سلطان.
التوثيق والنشر والعمل الموسوعي لمسيرة الإبداع، كل ولاية فيما يليها ليصب ذلك في موسوعة قومية منقحة شاملة يُدْفَع بها في الوسائل التقنية الحديثة تكون نوراً لكل ناظر فيها تُطمئن القريب وتعرَّف الغريب وتُكْسِب الناشئة الثقة فيما لديهم وتكون مرتكزاً للانطلاق نحو آفاق الإنسانية الواسعة.
غربلة ما يقدم في وسائلنا خصوصاً المرئية ليكون منبرًا حقيقياً يعرّف بالسودان وأهله.
الاهتمام بالتبادل الثقافي وانتقاء المواد المجودة التي تعرف بالسودان موقعاً وتاريخاً وثقافة ولساناً وديانة وموارد بشرية وطبيعية
إنشاء المواقع الإسفيرية التي تصبّ في هذا الاتجاه حتى تتسع دائرة الفعل التعريفي، وهذا وإن كان أدخل في الإعلام ولكن ليكن ضابطه الثقافة تماماً كتعليم اللغات الذي هو من شأن مؤسسات التعليم ولكن مردوده ثقافي بلا ريب.
الاهتمام بصانع الإبداع لترقية أدائه.
= فترتكم في وزارة الثقافة بالجزيرة، هل استطعتم خلالها أن تحركوا ساكناً طالما أحزنكم؟
قضيت ثلاث سنوات في الوزارة، تفاءلت أولاً وبدأت أخطط وأسعي للتنفيذ فنفذت أشياء ثم كان الإحباط فالاعتذار... ولا ألقي باللوم على أحد، لأن الخدمة المدنية كلها تحتاج إلى إعادة نظر صارمة، والعمل كله يحتاج إلى تنسيق وترتيب، من ذلك أنني دعيت مرة إلى المشاركة في جلسة مجلس الوزراء الاتحادي فقلت في تلك الجلسة إن الوزارة الاتحادية أقامت مشكورة مهرجان الغناء وهو شأن الوزارة الولائية، والوزارة الولائية أقامت مشكورة ملتقى شعراء العرب وهو شأن الوزارة الاتحادية أما نحن في الجزيرة فسنقيم ملتقى شعراء السودان من باب (الزاد كان ما كفى أهل البيت حرام على الجيران) وقام الملتقى وكان مشهوداً موفقاً كم وددت أن يستمر لما لمسناه فيه من ثمار طيبة وفوائد حقيقية على المستوى الثقافي والاجتماعي والوطني. وكم وددت أن أقف على مخرجاته وأُملَّكها للمشاركين فيه وأهل الاهتمام ليكون نموذجاً ولكن قضى الله أن نسلم الراية بكامل إرادتنا لمن نسأل الله أن يكون خيراً منا وأنفع.
ولا أجد شيئاً أهم من التوثيق لأنه المعين على قراءة المراحل وهو الذي يربط الحاضر بالماضي وينير الطريق إلى المستقبل. فكان الشروع في موسوعة أعلام الجزيرة ومبدعيها في مجالات الحياة المختلفة. وكان النشر نصب أعيننا أيضاً فاجتمعت لدينا مواد وعناوين معتبرة في التراث والفكر والثقافة وباقة من الرسائل الجامعية الناضجة وقد رأى بعضها النور.. هذا سوى تحريك النشاط المسرحي بإبداعات أهل الجزيرة والعاصمة بل نقلنا بعض إبداعاتنا المحلية إلى مسارح العاصمة كمسرحية (النيل وقف) التي ناقشت قضايا مشروع الجزيرة وجرحها النازف فعرضت في المسرح القومي ومسرح قاعة الصداقة. ثم كانت المشاركة في المهرجان الثقافي القومي مميزة، ولا أريد سرد الإنجازات التي سيأتي بعضها عرضاً ولكنك أختي قد تتفقين معي في أن المهرجانات على ضرورتها في حدود ضيقة فإن الصرف عليها أكبر من العائد منها؛ لذلك فإن النفس لتضييق بالمظاهر الاحتفائية والاحتفالية التي اعتادها الناس وألفوها وهي كقبض الرِّيح. وكم نتوق إلى حراك ثقافي ناضج ذي آثار باقية يبدأ بإعادة المسارح المدرسية والجمعيات الأدبية وليالي السمر ويكون للثقافة بمكتباتها ومسارحها وندواتها ومحاضراتها حيزاً واسعاً في أندية الأحياء والقرى.. ثم كان الالتفات إلى المتاح من مواعين النشاط الثقافي فأنجزنا ما قضى الله أن ينجز كالقاعة الكبرى التي كانت الساحة تفتقدها تماماً، وكالمتحف وتأهيل المسرح الذي استوعب تظاهرة ملتقى الشعراء ثم كان ما كان وشرعنا في تأهيله للمرة الثانية. ولكن المشروع الذي كان يهوِّن علي ويدفعني للبقاء رغم الإحباط المبكر هو القناة الفضائية حلم أهل الجزيرة وأحد مخارجها الواسعة من وَهْدَتِها. وبعد تكرار المحاولات ومداومة الطرق عليه وعلى أهميته ثم اقتناع الناس به وبطرحنا المقدم بدأنا فيه بداية جادة، ولكنك لن تنجز مشروعاً أنت جزء أساسي من التفكير فيه والتخطيط له إلا إذا كنت طليق اليد في التحرك به وخلا طريقك من كل عقبة ومعوق. لقد كانت أشواق أهل الجزيرة إلى هذا المشروع لا تتصور وما يزالون، فتدافعوا للبذل فيه وذلك مثبت ومُقَيَّد ونرجو أن يكون محفوظاً ليكون نواة لمن عسى أن يعزم على الاستمرا في هذا المشروع الذي تستحقه الجزيرة إرثاً وتاريخاً وأولية.
= تقدم برنامج (في رحاب الحبيب).. الاشتراك وتقديم برامج في التلفزيون والإذاعة مع مشاغلكم الأكاديمية هل كان خصماً أم إضافة لسيرتكم وتجربتكم؟.
ما كانت ولن تكون خدمة جناب الحبيب صلى الله عليه وسلم والاشتغال بسيرته خصماً على أحد أبداً.. بل هي إضافة حقيقية أنعم وأكرم بها من إضافة . ورحم اللّه الشيخ النّواجي الذي قال:
وكل من يُدْعَى بالأديب ولم يَفُزْ بمدحك يوماً ماله أدب
ورحم اللّه حاج الماحي الذي قال:
غير مدحكم بِطْرُوني بيش ياتَجَري مُونْتي الماكَشِيش
نعم كتبتُ وألّفتُ ودرَّست في الجامعات ثم استوزرتُ، وما عرفني أكثر الناس بشيء من ذلك وإنما عرفوني برحاب الحبيب، وهذا شرف لايدانيه شرف وهو أرجى لي عند اللّه ثم عند الشفيع من كل ماسواه إن شاء اللّه.
ألم يقل الإمام ابن حجر العسقلاني:
فاشفع لما دحك الذي بك يتقي أهوال يوم الدين والتعذيب؟
نعم أختي الكريمة شاركت في تقديم برامج في الإذاعة والتلفزيون منها برنامج (في رحاب الحبيب) بالتلفزيون القومي، و(روائع المديح) الذي استمر أربع سنوات تم أوقفته الإذاعة السودانية بلا سابق إنذار، وما يزال الناس يلهجون به ويفتقدونه وماتزال الإذاعة تعيد حلقاته القديمة، وقدمتُ برنامج (رياض المديح) في إذاعة الكوثر و(أسمار في التراث) من إذاعة ساهرون و(حديث السمار) في تلفزيون ود مدني وغير ذلك.. وليكن ذلك نوعاً من ردّ دين المجتمع الذي في رقابنا.
أما المديح النبوي فإن إهماله عَورة من عورات الثقافة عندنا، وعدم فهمه وعدم محاولة تفهّمه نقص في محبتنا لرسولنا، وخلو مقررات المدارس والجامعات منه كما قرره بروفسير عبد الله الطيب عليه الرحمة هو إخلال بمنهج دراسة الأدب وقد دفعتني إلى ساحته رغم قصور باعي أمور كثيرة، منها إهماله وهو من جواهر التراث، ثم صعوبة لغته فكانت رسالتي الأولى الإسهام في تيسيره وتفسيره بقدر المستطاع (فالنواية بِتْسنْد الزير والنملة بي قرصتا) ثم استخراج كنوز السيرة منه فهو مستودع منظوم للسيرة النبوية ضم من مفرداتها مالا يتصوره إلا من وقف عليه.
وهو سهم أهل السودان في مسيرة الدعوة إلى الله وقدحهم في مأدبة خدمتها في زمان كان الجهل فيه سائدًا والأمية فاشية، وبه ومن طريقه عرفوا ربهم ووحدوه وعرفوا رسوله وتفاصيل حياته ودقائق سيرته وجلائلها وعرفوا جهاده وجهاد أصحابه بأسلوبهم المألوف ولغتهم المحكية فاستوعبه العام والخاص؛ وازدادوا معرفة بربهم وامتلأوا محبة لرسوله وأصحابه وآل بيته.
وما يزال في بعض المثقفين نفور منه وفي بعض النفوس الهزيله ازدراء للمشتغلين به ورواته والمؤدين له. وليس ذلك إلا بقية من ضَعَةٍ وهَوَان وانهزام نفسي أوكما قال بروفسير عبد الله الطيب معلّلاً لهذا النفور بأنه (إما عن ضعف دين أو فرط تشدد فيه، وإما عن جهل تام بشيء اسمه المديح.. ومن جهل شيئاً عاداه) هذا وأجدها سانحة طيبة للتنبيه على كتاب (مدح الرسول صلى الله عليه وسلم) للبروفسير عبد الله الطيب الذي استخرجته من كتابه الفخم الضخم (المرشد) ففيه شرح وتنوير وتفصيل وإيضاح وهو منشور متاح، صدر ضمن إصدارات جائزة البرعي في الأدب النبوي في دورتها الأولى (2013 2014م).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.