مرت حوالي تسع سنوات عجاف على ما يتعرض له مشروع الجزيرة من نشاف وجفاف منذ صدور قانون المشروع لعام 2005م المثير للجدل، والذي صدر على عجل في ذلك الوقت، حتى ان هناك من نظر له واعتبر أن اللهفة المتسرعة في صدوره من الجهات التي تقف مساندة له وحريصة عليه ومستفيدة منه ومفسدة به، في السلطة الحاكمة القائمة حينها، ربما كانت قد فعلت ذلك حتى تقطع الطريق على الحركة الشعبية لدى وصولها إلى المشاركة في سدة مقاليد الحكم آنذاك بناء على اتفاقية نيفاشا للسلام المبرمة معها في ذلك العام، وكذلك حتى لا تتيح لها فرصة للمشاركة المؤثرة والفاعلة والمتفاعلة مع مثل هذا القانون الجوهري والمحوري والذي يحظى بأهمية شديدة الوطأة وثقيلة الوزن في المصلحة الوطنية العامة بكل أبعادها على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والحضاري، إضافة إلى تأثيره على العدد الكبير من المزارعين وأسرهم وجميع الكادحين من العاملين الآخرين في هذا المشروع الشهير بأنه ليس له نظير على الصعيد العالمي بأسره. وبعد مرور كل هذه السنوات العجاف اضطرت الأطراف ذات الصلة بالسلطة الحاكمة الراهنة للاعتراف بأنها ارتكبت خطيئة فادحة ومهلكة وساحقة ومدمرة، وترتبت عليها خسارة بالغة وأضرار جسيمة ولم تعد محتملة، مما أدى وأفضى في خاتمة المطاف ونهاية الطواف، وبعد كل الخراب والدمار والانهيار الذي تعرض له المشروع وعانى منه، إلى الشروع في محاولة جديدة لإصلاح ما قد يمكن إصلاحه وإنقاذ ما قد يمكن إنقاذه وتدارك ما قد يمكن تداركه، وذلك كما جرى في المجلس الوطني البرلماني على المستوى القومي أو الاتحادي بإجراء تعديلات جذرية شاملة للمواد والبنود الأساسية والرئيسة في قانون المشروع لعام 2005م. والسؤال الذي يفرض ويطرح نفسه بقوة وحدة ضاغطة ولافتة وشاخصة وماثلة وصارخة بناء على هذا هو إذن يا ترى من هي هذه الجهات الجانية على هذا المشروع التي تورطت في الانجراف للانحراف بها للسقوط في الهاوية الساحقة التي انحدر إليها؟ ولماذا لم يتم الاستماع إلى الآراء الصائبة والمخلصة والمتجردة التي ظل كبار الخبراء والعلماء ينصحون بها ويشيرون إليها منطلقين في ذلك من دوافع وطنية بحتة ومطالبين بالاستجابة لما يدعون له من أجل المحافظة على المصلحة القومية والوطنية العليا، ولكن دون جدوى حتى جفت أقلامهم واحترقت حلوقهم وقلوبهم وعقولهم، من الصراخ الداوي والمدوي دون أن يجد أذناً تصغى لها لدى الأوساط النافذة في الدائرة الفاسدة والمفسدة والمتنفذة والعاجزة والقاصرة والمسيطرة بهيمنة منفردة وطائشة وطاغية ومتغطرسة طيلة السنوات العجاف المنصرمة التي نرجو أن تكون قد أضحت منصرفة ومفضية إلى الاتعاظ بهذه التجربة المهلكة والمدمرة التي يجب أن تتم المسارعة إلى استخلاص العبر والدروس المستفادة منها لدى الأصعدة العليا المشرفة على هذا المشروع والمستويات المعنية بالإدارة المباشرة له في الفترة الراهنة والمراحل المقبلة. وفي سياق مثل هذا الإطار للرؤية تجدر الإشارة ، على سبيل المثال وفتح المجال لمثل هذه المعالجة الناجعة، إلى ما ورد في ورقة علمية موجزة وعميقة ودقيقة أعدها بتاريخ 8 أكتوبر 2012م وزير الري الأسبق والخبير الوطني الكبير المهندس القدير الريح عبد السلام تحت عنوان «العطش بمشروع الجزيرة». حيث ذكر أن السبب الأساس للتدهور الذي أصاب المشروع ليس قلة المياه، وإنما هو عدم وجود مؤسسة مهنية مسؤولة عن إدارة شؤون الري في المشروع لتحقيق كفاءة الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وعدالة توزيع مياه الري، وكفاءة تطهير القنوات، وسلامة تشغيل وصيانة النواظم والحواكم ومواكبة وملاءمة أعمال التحديث. وأكدت الورقة التي لم تجد من يستجيب لما ورد فيها رغم صدورها منذ أكثر من عامين، أن ما يسمى بروابط مستخدمي المياه الواردة في قانون المشروع لعام 2005م قد فشلت في القيام بالدور الرئيس المناط بها مما أثر سلباً على عمليات إدارة المياه في المشروع ككل، وذلك على النحو الذي يتمثل في عدم المقدرة على التحكم في تشغيل وإدارة مياه الري في مستوى أبو عشرينات، وعدم الالتزام بزراعة محصول واحد بالنمرة الواحدة. كما أكدت الورقة العلمية الموجزة والمتسمة بالدقة المتميزة أن إدارة مشروع الجزيرة فشلت في إدارة وضبط المياه، وقد ساعدت في هدر المياه القومية بدليل أن الكميات المستخدمة في موسم (2011- 2012م) تفوق ب (30%) من الكميات المستخدمة في عام 1992م في ري مساحة أقل من موسم 1992م ونواصل غداً إن شاء الله.