إن المؤتمر الوطنى بحكم أنه حزب فكرى ، ويحمل أعضاؤه شارة الإنتماء التنظيمى ، لا يصلح معه أن يتخذ القرار فيه بشكل فيدرالى ، ذلك لأن نظام الحكم تتناسب معه الصيغة الفيدرالية والمعايير الجغرافية ، أما الأحزاب المنضبطة فهى لا تضع لجغرافية المكان وزناً ، ولا للفئات والمجموعات القبلية ، وإنما يتساوى العضو الذى يقطن فى الغرب بذاك الذى يسكن فى الشرق وتنطبق ذات القاعدة على من كان يقيم شمالاً أو جنوباً . والأحزاب القوية التى تستعصم بالمبادئ والولاء العقدى لا يتم الترشيح فيها للمناصب والمواقع بناءً على رأى يأتى من مجموعات ، وإنما يكون الحزب فى إدارته العليا هو صاحب الاختصاص ، بمعنى أن الحزب يخضع لمركزية إتخاذ القرار ، ولا يدع فرصة لتتمكن الاتجاهات المختلفة الساعية للانحراف بالحزب إلى جماعات تفتت الشورى ، وتقسم مركز اتخاذ القرار . والممارسة التى درج عليها المؤتمر الوطنى ، بأن تنشأ فى وحداته التنظيمية كليات شورية ، بالمناطق والمحليات والولايات قد أفسحت مجالاً واسعاً لتتشكل فئات قوية وأخرى ضعيفة ، بحيث تسهل عمليات الإقصاء والاستبعاد بأساليب تجعل الذين يودون الصعود والزعامة ، قادرين على استخدام ما يمكنهم لتجنب منافسة القيادات الحقيقية بطرق ملتوية فى ظاهرها شورية ، وفى باطنها يكمن الغرض والمرض والمصلحة الذاتية . ولكى يتجنب المؤتمر الوطنى ، وهو الحزب الرائد فى مجال الفكر ودقة التنظيم ، تلك الانحرافات لتوجهه المعروف ، فلا ضير أن تضطلع الكليات الشورية برفد المركز بأسماء جميع القيادات بالمنطقة ، أو المحلية ، أو الولاية ، ولا يترك لتلك المجموعات الانفراد باتخاذ القرار على أن يقتصر دورها بجلب البيانات والسير الذاتية للقيادات حسب معايير الحزب للترشح ويترك أمر اختيار المرشحين لكافة مستوى الحزب لجسم شورى مركزى يضم أهل الرأى ومن تُلتمس لديهم الشورى دون تأثر بمناطقية أو قبلية أو مصلحة شخصية . وللأسف الشديد ، ما أصاب المؤتمر الوطنى من داء ، ظهر فى مؤتمرات الولايات بشأن اختيار رؤساء الوطنى ومرشحيه لمنصب الوالى ، هو نفسه قد أصاب القاعدة بشكل أبشع بكثير من الذى لوحظ على مستوى الولاية ، وهو السبب الرئيسى الذى دعا رئيس الجمهورية إلى تقديم مقترح تعديل الدستور ، وإعطاء الرئيس حق التعيين ، وهذا هو الإجراء الذى سيحقق استقامة المسار ولكن لن تكتمل الاستقامة إلا إذا سرت ذات الصيغة على المؤتمر الوطنى فى الأساس والمنطقة والمحلية لنعيد السيرة الأولى لهذا الحزب ، ليصبح حزباً للتفكير القومى ، وليس للشؤون الشخصية ، كما اتضح الحال فى مخرجات ما نسميه الكليات الشورية ، ذلك لأن الإصلاح فى جوهره ينبغى أن يتجه للقاعدة لضمان سلامة الهياكل العليا . وإزاء الذى لاح فى أفق الشورى والتنظيم من عيوب بالمؤتمر الوطنى ، فإن قيادة المؤتمر الوطنى مطالبة بإجراء مسوحات للعضوية ، تلك التى اتسعت وأصبحت بالملايين ، للتأكد من ولائها ، والتحقق من قدراتها ، بتصميم قاعدة بيانات ثبتت بأنه حزب يقوم على العلمية ، وأنه يستفيد من خبرته المديدة فى العمل السياسى لأكثر من أربعين عاماً ، وتلك هى الضمانة الوحيدة ، لتفادى شيخوخة الحزب ، والتأكد من حصانته ضد الاختراق المناطقى والقبلى الذى كان سبباً فى هرم أحزاب تقليدية لم يبق منها إلا ما يذكره التاريخ . وحزب المؤتمر الوطنى ، فى أصوله ، ومكوناته الحقيقية قد جرب المعارضة بفكر ثاقب ، وتجربة ناضجة ، فإننا نخشى عليه أن يمزق الفكر والتجربة فيأكل من السموم التى أدت إلى اغتيال أحزاب سودانية كانت ملء السمع والبصر والفؤاد . ويا ليت المؤتمر الوطنى يرشح نائباً بالشمالية لكنه من مواطنى غرب السودان ، ويرشح آخر من الشرق ليكون نائباً لدائرة جغرافية بالنيل الأزرق ، وهنا تثبت الحقيقة بأننا حزب فكرى يرجّح لفكرة ولا يدعو إلى جهوية أو قبلية منكرة.