قال بعض الفقهاء: بقيت سنين أشتهي الهريس لا أقدر؛ لأن وقت بيعها وقت سماع الدرس! ويحكي الشيخ العريفي في إحدى محاضراته عن حرص السلف الصالح على طلب العلم.. ويحدث عن الشيخ سليمان الأعشى أنه صالح تقي لكنه كان عصياً إذا زعل على طلابه أقسم أن لا يحدثهم أياماً فيتأخرون على أهاليهم .. وجاء يوماً من يسأل عن الشيخ الأعشى فأخبروه أنه أقسم ألا يحدثهم وعليه أن ينتظر شهراً ليحدثه، وبينما هو كذلك جاء الأعشى وكان قد صار أعمى وبينما كان يهم بالخروج بادره الصبي ليوصله إلى منزله وخرج به وذهب بعيداً في اتجاه مغاير لاتجاه المنزل وعندما توسط البر تساءل الشيخ عما يحدث معه فأخبره الصبي بمكانه وسط البر وأنه إن أراد الذهاب وحده فليذهب أو أن يقرأ عليه مائة حديث الآن وهو يكتبها في صحفه التي معه، احتار الشيخ وبدأ بقراءة الأحاديث حدثنا فلان وفلان.. حتى أكمل خمسين حديثاً وبعدها أخذه الصبي إلى منزله وفي الطريق قابل أحد رفاقه وأعطاه الصحف المكتوبة لكي يوصلها إلى منزل الصبي.. وواصل مع الشيخ إلى منزله وعندما تأكد الأعشى أنه وصل منزله أخذ يصرخ أن حرامي حتى يقبض على الفتى ويحرر منه أوراق الحديث المكتوبة وضحك الفتى وأخبرهم أنه لايحمل شيئاً وأخبر الأعشى أن أعطى الورق لم يحفظه له.. اغتاظ الأعشى وقال له إن الأحاديث التي كتبها كلها ضعيفة كيدا لما فعله به.. وكان رد الفتى أن مثله لا يفعلها ولا بد أن تكون كل الأحاديث صحيحة.. فليس هو من يستهين برواية الحديث وبتعليمه... .. مثل هذا الحرص على التعلم نفتقده في أيامنا هذه، فقد كثرت الملهيات التي تصرفنا عن الحث في طلب العلم وإجادته وما يفعله معظم الطلبة ان وقت الدرس لديهم عبء يسعدون بانتهائه وأنهم يسعدون بيوم العطلة أيما سعادة.. هذا في الدرس اللازم، أما المحاضرات العامة والثقافية فلا تحضرها إلا القلة القليلة.. وشتان ما بين الأمس واليوم بين زمن يعاني فيه طلبة العلم ويركبون الصعاب ومع شظف العيش ليتلقوا درساً من عالم.. وهم في غاية الحرص والحماس.. سعدنا بحضور بعض محاضرات مجمع اللغة العربية بالخرطوم وكانت دوماً تجمع بين الامتاع والفائدة وبقدر سعادتنا بها تمنينا أن تتسع القاعة وتهيأ بشكل أفضل لكي يستفيد منها عدد أكبر.. ومعظم محاضرات المجمع معنية باللغة والتراث والمؤلفات التي تصدر في هذا الشأن وهنا تمنينا لو أقام المجمع إضافة إلى المحاضرات العامة محاضرات تدريبية في اللغة ومراجعة للأخطاء الشائعة فيها خاصة للطلبة والعاملين في الأجهزة الإعلامية.. ورغم مشاغل علماء اللغة والأساتذة الكثيرة والكبيرة إلا أن مثل هذه الكورسات التدريبية تزيح هماً عظيماً وتصلح ما اختلط علينا وما اعوج فينا من أمر اللغة والنحو وأسلوب الحديث..