لم يقم الأردنيون والمغاربة سرادق العزاء حزناً على قرار المملكة العربية السعودية التراجع عن فكرتها التي أطلقتها بصورة مفاجئة قبل عام، بشأن ضم البلدين إلى عضوية نادي الأثرياء العرب، بل تعاملوا مع هذه اللطمة التي أفاقتهم من أحلام يقظتهم بالتخلُّص من عقدة «الكفيل»، والخروج من ضنك العيش إلى حالة من البحبوحة بكل رحابة صدر ولا مبالاة، وخاصة في المغرب وبدرجة أقل في الأردن. الأردنيون والمغاربة فوجئوا باقتراح العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز بتوسيع مجلس التعاون الخليجي ومنحهم العضوية الكاملة فيه، مثلما فوجئ بالاقتراح نفسه قادة وحكومات دول المجلس الأخرى، الذين أُخِذوا على حين غرة، وتضاربت الآراء حول النوايا الحقيقية الكامنة خلف هذه الخطوة والدافعة لها، فهناك من قال إنها ترمي إلى تكوين نادٍ موسع للملكيات المدعومة بالمال النفطي والدعم الغربي، والفصل الكامل بينها وبين أنظمة جمهورية وراثية تريد أن تتمثل بها، أي الملكيات، دون أن تملك خصوصياتها، تواجه حالياً انتفاضات شعبية تطالب بالحرية والكرامة والإصلاحات الديمقراطية الشاملة. وهناك من رأى أن الحرب المتوقعة ضد إيران تحتاج إلى عمق عسكري «سُنّي» نقي يعزز الطموحات الخليجية في تغيير النظام الإيراني وإنهاء هيمنته على العراق، وتحصين دول الخليج مما يسميه قادتها ب«الخطر الشيعي». ربما نعرف الأسباب التي دفعت العاهل السعودي لطرح فكرته هذه، أو نتكهن بها على وجه الدقة، ولكننا ما زلنا نجهل الأسباب الحقيقية التي دفعته للتراجع عنها، وبهذه السرعة، فالمبررات التي طرحها كل من الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي، ونظيره الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد غير مقنعة على الإطلاق، بل مهينة لكل من الأردن والمغرب معاً. الأمير الفيصل استذكر«عقدة اليونان» وهو يرد على سؤال صحافي يتعلق بهذه المسألة، عندما قال إن انضمام اليونان إلى الاتحاد الأوربي ما زال سبباً لانقسامات حادة في صفوف الأوربيين، حيث ترى بعض الدول أن هذا الانضمام شكّل عبئاً على الاتحاد الأوربي يمكن أن يعيق حركته. أما الشيخ عبدالله بن زايد فذهب إلى ما هو أبعد من ذلك عندما قال إن دول المجلس «لم تتوافق» على ضم البلدين، أي المغرب والأردن. ليسمح لنا الأمير سعود الفيصل أن نختلف معه في عدة نقاط، أبرزها أن المقارنة بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي خاطئة في الأساس،علاوة على كونها غير جائزة، للاختلاف الجذري بين التجربتين، فالاتحاد الاوربي أقام كيانا اقتصادياً قوياً توّجه بعملة موحدة وتنسيق سياسي يمكن أن يتطور إلى وحدة شاملة، بينما ما زالت دول مجلس التعاون مختلفة فيما بينها على معظم القضايا المطروحة، مثل التنسيق الأمني والاندماج الاقتصادي، والعملة الموحدة، وانتقال العمالة والتملك وغيرها. لا نبالغ إذا قلنا إن الخلافات الموجودة حالياً بين دول مجلس التعاون حول هذه القضايا، والحدودية منها على وجه الخصوص، أكبر بكثير من الخلافات بينها حول انضمام كل من المغرب والأردن، وشاهدنا في الأعوام الماضية الخلافات بين الإمارات والسعودية حول خور العيديد، وما ترتب عليه من إغلاق الحدود في وجه الشاحنات والمواطنين، ووقف السماح للمواطنين الإماراتيين بدخول الأراضي السعودية بالبطاقة الشخصية، لأنها،أي البطاقة، تضم خريطة للإمارات توضح أن هذا الخور داخل حدودها. وفي الإطار نفسه يمكن الإشارة إلى انسحاب الإمارات وسلطنة عمان من مشروع العملة الخليجية الموحدة، واحتجاج الأولى، أي الإمارات، على إصرار السعودية على وجود المصرف المركزي الخليجي في الرياض وليس في أبوظبي أو دبي. انضمام الأردن إلى مجلس التعاون سيفيده كثيرًا، حيث يوجد مخزون ضخم من العقول والأيدي العاملة، يمكن أن يسد عجزًا كبيرًا تعاني منه الدول الخليجية في هذا المضمار، وربما يفيد التذكير بأن القوات الأردنية، وبدعم سعودي قطري إماراتي لعبت دورًا كبيرًا في إنهاء الانتفاضة في ميدان اللؤلؤة، التي كانت تهدد النظام البحريني، مثلما ساهمت في اقتحام مدينة طرابلس، العاصمة الليبية، وهي مهمات نختلف حولها، وإن كان هذا ليس وقت نقاشها في هذه العجالة. لا نبالغ إذا قلنا إن الأسباب الحقيقية للتراجع عن قرار ضم الأردن بالذات إلى مجلس التعاون الخليجي ليس الخوف من «العبء اليوناني»، ولا انعدام التوافق بين دول الخليج، وإنما رغبة حكومات المجلس بالابتعاد عن ملف الصراع العربي الإسرائيلي، وحرصها على أن لا تكون للمجلس حدود مع إسرائيل بحيث يتحول إلى دولة مواجهة، او يتحول إلى وعاء لاستيعاب بعض اللاجئين الفلسطينيين في حال تفجر الصراع بصورة او بأخرى. ما يجعلنا نرجّح ذلك كون المملكة العربية السعودية بادرت على عجل لتأجير جزيرتي صنافير وتيران في البحر الأحمر اللتين كانتا أرضا خاضعة لسيادتها، إلى جمهورية مصر العربية، حتى تتجنب أي صراع مباشر مع الإسرائيليين، وأن لا تكون لها حدود مع دولتهم، وحتى لا يطالب السعوديون بتحرير أراضيهم المحتلة في الحاضر او المستقبل. العاهل السعودي رجل طيب معروف بعفويته، ومن المؤكد أنه عندما اقترح ضم الأردن والمغرب انطلق من نوايا حسنة، ولكن بعض المقربين منه الذين صدموا بهذا الاقتراح ولم يعارضوه تأدباً واحتراماً للسن والتراتبية، عقدوا العزم على إبطاله في فترة لاحقة، مراهنين على عنصر الوقت، وهذا ما حصل فعلا. اليونان التي تذرع بعقدتها الأمير سعود الفيصل، وهو بالمناسبة من جناح الصقور المعارض لانضمام البلدين، لم تخلق اي خلافات داخل الاتحاد الأوروبي طوال العشرين عاما الماضية من عمر انضمامها، بل كانت مصدر ترحيب لأنها لبّت جميع شروط العضوية مثل تحسين ملف حقوق الإنسان، وإدخال إصلاحات اقتصادية، وترسيخ القيم والممارسات الديمقراطية، وإنهاء الحكم العسكري. الخلافات حول اليونان حديثة العهد، ومرتبطة بالأزمة الاقتصادية التي تضرب الاتحاد الأوربي، أو ما يسمى أزمة منطقة اليورو. واليونان ليست وحدها التي تعاني من الإفلاس حتى تكون موضع خلاف، فهناك إيطاليا التي يبلغ حجم اقتصادها أربعة أضعاف حجم الاقتصاد اليوناني، وكذلك إسبانيا والبرتغال وإيرلندا الجنوبية، والبقية تأتي. دول مجلس التعاون الخليجي التي تملك صناديق مالية سيادية تزيد قيمتها عن ثلاثة تريليونات دولار على الأقل، تستطيع حل مشاكل الأردن والمغرب الاقتصادية، وفوقهما مصر والسودان وموريتانيا واليمن، وكل فقراء العرب من جزء بسيط «فراطة» من فوائد هذه الأموال فقط. الشعبان الأردني والمغربي شعبان كريمان يملكان رصيدًا كبيرًا من الكرامة وعزة النفس، ولا يستحقان مثل هذه المعاملة من أشقائهم في دول الخليج، ابتداءً من تصعيد الآمال بالثراء، وانتهاء بتحطيمها دفعة واحدة بتبريرات واهية وغير مقنعة، ويصعب فهمها أو هضمها. الحياة ستسير بشكل طبيعي في عمان والزرقاء والرباط والدار البيضاء، ولن يذرف أبناء البلدين الدموع حزناً على عدم الانضمام إلى الجنة الخليجية الموعودة، فهذه شعوب تعودت على الكفاح من أجل لقمة عيش شهية يصلون إليها بعرقهم الممزوج بالكرامة والكبرياء، ولن تتردد لحظة في التضحية بأرواحها ودمائها من أجل قضاياها المصيرية، سواء قضية فلسطين المركزية، الإسلامية والعربية الأولى، أو قضية الديمقراطية والحريات والعدالة الاجتماعية.