طوى الرجل آخر صفحة له كسفير للسودان بجمهورية مصر باندلاع ثورة الربيع العربي من ميدان التحرير، وقد كانت الثورة حدًا فاصلاً بين فترتين في العلاقة بين السودان ومصر، الأولى لا يتمنى السودانيون بأي حال من الأحوال عودتها وإن كانت العلاقة في تلك الفترة في ظاهرها تبدو طيبة فإن كثيرًا من الخبث لا يمكن إنكاره ترعرع في أحشائها، أما الفترة الثانية فمليئة بالتفاؤل الذي سيطر على الأجواء ودشن بزيارة البشير لمصر كأول رئيس عربي يزورها بعد سقوط مبارك، ومن ثم فتح الرجل صحة جديدة في سفر التكليف عندما اختارته القيادة سفيرًا للسودان بإثيوبيا التي يتحدث البعض عن توترات خفية في العلاقة بينها وبين السودان بسبب ملفات قديمة رغم المودة التي يفوح أريجها في سماء البلدين.. سفارتا الرجل تشيان بأن وراءهما ملفات لا يصلح لها غيره مرتبطة بخلفيته العسكرية والأمنية أنجز بعضها في مصر وسيُنجز الأخرى في إثيوبيا.. الفريق ركن عبد الرحمن سر الختم فتحنا معه تلك الملفات في السطور التالية: إذن هل إثيوبيا مؤهلة لاحتضان قضايا السودان بنفس مستوى الدوحة خاصة وأن اتفاق يوليو الإطاري رفضه الوطني ومفاوضات البترول رفضتها حكومة الجنوب؟ المقارنة بين الدوحة وإثيوبيا في هذه القضايا لا يجمعها إلا أنها تسعى لاستقرار السودان ولكن ظروفها وموضوعها وآلياتها مختلفة تماماً فاجتماع الدوحة كان عبارة عن تنفيذ لاتفاق الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية على حل مشكلة دارفور بجهود مشتركة شاركهم فيها المجتمع الدولي، وبالتالي تعتبر الدوحة مستضيفة ومنسقة ولكن موجهة من الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي وأمنت عليه المجموعات الإفريقية وبعد مارثون طويل وفقت الدوحة للوصول لوثيقة أسهمت في استقرار دارفور، إثيوبيا لديها مبادرتها في معالجة قضايا معينة بيننا وبين حكومة الجنوب وهذا أيضاً نتيجة لاتفاقات إقليمية وبجهود ثنائية، وباعتبار أن مقر الاتحاد الإفريقي في أديس تستضيف إثيوبيا بعض الجهود بتوجيه من الاتحاد الإفريقي لمعالجة القضايا العالقة بين السودان والجنوب ولولا ثقتنا في المجموعة العربية والإفريقية وفي قطر لما قبلنا ولما نجحنا وبنفس القدر لولا ثقتنا في إثيوبيا والمجموعة الإفريقية «الاتحاد الإفريقي ولجنة أمبيكي» لما قبلنا ولما نجحنا، وفي هذا الجانب لا نحمِّل إثيوبيا أي فشل.. أنت أشرت لفشل إتفاق البترول.. مقاطعة: وفشل اتفاق يوليو الإطاري.. ذاك لم يفشل … «إتلحس». «ماإتلحس»، التعبير غير دقيق، كان هناك تحفظ على بعض الجوانب السياسية ولكن الاتفاق الأمني سارٍ ، أما لقاء أمبيكي والطرفين فلم يكن فاشلاً ويمكن أن نتحدث عن فشل عندما يغلق الطرفان الباب ولكن الحوار مستمر في الجزء الأول المتعلق بالنفط قدمت عروض من الطرفين وبالتالي هو تعليق وسيتواصل الحوار يوم 20 ديسمبر في الخرطوم حول ذات الجند، القضايا الأخرى وضع لها برنامج يبدأ يوم 7 يناير في مسألة الديون وستتواصل يوم 15و20 و25 حتى آخر موضوع وهذا يعني أنه ليس هناك فشل ومن الطبيعي عرض وجهات النظر والتحفظ على بعضها وقبول البعض الآخر وستستمر المفاوضات، ونحيي إثيوبيا حكومة وشعباً، فالرئيس ملس أثمرت جهوده عن استقرار الوضع في أبيي، ونشكر القوات الإثيوبية المنتشرة الآن في أبيي ونترحم على شهدائهم فالإثيوبيون مهروا علاقتهم مع السودانيين بالدم وعرقهم كما نشيد بمجموعة أمبيكي والاتحاد الإفريقي. كيف تنظر لعلاقة إثيوبيا بدولة الجنوب وهل يمكن أن تحدث تقاطعات في علاقتها بالسودان؟ إثيوبيا دولة ذات سيادة وكذلك دولة الجنوب وتنظيم العلاقة بينهما لسنا طرفاً فيها ولكن نحترم سيادة البلدين وعلاقتهما مع بعضهما ولا أتوقع حدوث تقاطعات فإثيوبيا تلعب دورًا إيجابياً في معالجة الخلافات بين السودان وجنوب السودان؟ ما تأثير أحداث النيل الأزرق على العلاقة بين السودان وإثيوبيا؟ إثيوبيا ليست طرفاً في الأحداث ولم تتدخل لمساندة التمرد، بل هناك تعاون وثيق سياسي وأمني وعسكري لحماية الحدود على النيل الأزرق لأن انتشار التمرد من شأنه زعزعة الأمن حتى داخل إثيوبيا نفسها. السودان أغنى من إثيوبيا بموارده ولكن الأخيرة فاتته تنموياً؟ إثيوبيا ليست فقيرة وهذا الاعتقاد يجب أن يصحح فمساحتها شاسعة ولديها قوى كامنة وموقعها الجغرافي وتأتي هنا القدرة على استغلال هذه الموارد لرفاهية الشعب فإن كانت إثيوبيا في الماضي تبدو فقيرة، فهي الآن غير ذلك. يعاني السودان من تدفق اللاجئين الإثيوبيين عبرالتهريب، ما هي رؤيتكم للحد من ذلك التدفق؟ ليس هناك لاجئون بالمعنى المعروف للجؤ إلا قلة متبقية من مجموعات قديمة فتعريف اللاجئ وقد كنت وزيرًا للاجئين هو من يغادر بلده بسبب خوف مؤسس من اضطهاد بسبب اللون أو الدين أو العرق أو المعتقد السياسي وإثيوبيا الآن ليس بها أي من ذلك، بل هناك حريات، من يذهبون إلى السودان هم مهاجرون اقتصاديون بحثاً عن فرص عمل وهذا طبيعي ولكنه غير قانوني. ونسعى لمعالجة الأمر مع السلطات المختصة وفي نفس الوقت هناك خصوصية في العلاقة بين البلدين تسمح بهذه الهجرة وأنا كسفير أدعو لتفهم هذه العلاقة، فليس هناك ما يزعج من تواجد الإثيوبيين في السودان كما يشاع. ولكن إثيوبيا من الدول التي تعاني من انتشار كبير للإيدز أليس في ذلك ما يبرر الخوف؟ هذه مسألة أخلاقية بالدرجة الأولى فديننا وقيمنا يفترض أن تكون أساس حماية الفرد السوداني. من الملفات التي يمكن أن تفجِّر العلاقات أو تؤطرها ملف المياه وقد كان وزير الري في زيارة لأديس قبل أيام، ماذا تم في تلك الزيارة؟ من الأشياء الإيجابية بين البلدين هذا الملف وكان الاجتماع ثلاثياً يضم وزراء الري في كل من السودان ومصر وإثيوبيا وكان ناجحاً وكان يتعلّق بسد الألفية لطمأنة شعبي مصر والسودان أنه لا يشكل أي خطر عليهم وخرج بتكوين لجنة ثلاثية فنية مشتركة لعمل دراسات مشتركة ووضعت المرجعيات للجنة مع بيت خبرة أجنبي، هناك تعاون كبير في ملف المياه والكهرباء. ألا ترى أن عدم وجود قنصلية إعلامية بالسفارة في الوقت الذي أصبحت إثيوبيا محطة للسودان في قضاياه السياسية ومقراً لبعثة الاتحاد الإفريقي أمرًا غير منطقي؟ سؤال ممتاز جداً، نحن ننظر للعلاقة بين البلدين من منظور أمني عسكري وهذه مسألة تخطيناها، فليس الهم الأمني والعسكري هو الهم الأول، كما كان بل نتحدث عن تنمية وقد عقد قبل أيام في بحر دار مؤتمر تنمية الحدود، أنا ناديت بهذا الأمر قبل أن آتي سفيرًا لإثيوبيا وتعرّفت على المهمة وأنا في الخرطوم فتبين لي أننا نحتاج لخلق هيكل في 3 مجالات الاقتصادي والإعلامي، وكما ذكرت فإثيوبيا محطة فيها الاتحاد الإفريقي واللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة بإفريقيا ( ECA ) وأكثر من 120 منظمة طوعية إضافة لأن ملفات السودان كلها هنا سواء كانت أبيي أو المحكمة الجنائية الدولية أو دارفور، فإذا كانت هناك توترات سابقاً فسببها غياب المعلومة، لذلك لابد من مركز إعلامي يوصل المعلومة ويحافظ على العلاقات وكذلك نحتاج لقسم ثقافي. هل السودان بعيد عن الربيع العربي؟ إذا اعتقدت أي دولة أن الربيع العربي فهذا إحساس «بجيب الربيع ذاتو» صحيح الربيع لديه مقومات غير موجودة في السودان وهذا ما يجعله بعيدًا ولكن يؤتى الحذر من مأمنه، لذلك يجب أن نحلل الربيع بكل أبعاده فدوافعه تتفاوت، فإذا كانت القيادة في تونس أومصر تعيش في برج عاجي، فالبشير موجود في الشارع «وأنا عرفت إنو في كوبر فك ليهو مظاهرة» وبالتالي سياسياً هناك تباين كبير بين السودان والدول التي قام فيها الربيع العربي وديموقراطياً نحن «ساكين» الأحزاب لتشارك في الحكم وهم «بقليبك تقول لي تعال وتعال وبعيونك تقول لا ما في مجال». لكن يمكن أن تقوم الثورة من أجل الخبز وليس الحريات والسودان الآن مهيأ لذلك؟ هذا هو ما نقوله، يجب أن نبحث عن العوامل التي تدعو لقيام ربيع في السودان ونضع معالجات وقائية لها أكبر مهدد لنا الأزمة الاقتصادية، فكل بيت تأثر بها حتى نمنع قيام ربيع لأسباب غير أمنية أو سياسية. زيارات الوفود غير المقننة ودون إخطار السفارة ألا يسبب لكم إزعاجاً؟ هذا واجب السفارة ولكن المطلوب التنظيم.. حضرت احتفال فرقة «دق الطبول» التراثي هناك مجهود ولكن لم يجد حظه من الرعاية لأنهم أخطأوا وحضروا دون تنسيق مع السفارة ومن هنا ألوم وزارة الثقافة والتراث الشعبي فماذا يضيرها لو خاطبت السفارة قبل أسبوع كنا سنفذ عملاً اجتماعياً مع المجتمع الإثيوبي والسفراء العرب والأفارقة وال ( AU ) .الوزارة اغتالت عملاً كبيرًا.