هل هذه هي فعلاً الوزارة الجديدة؟ هل كان صرير الأقلام على الصحف طيلة نصف عام على التقريب.. من أجل هذه الوزارة التي لا توحي بشيء.. أو لا توحي بخير.. والتي لم تولد ولادة طبيعية. إذ ليس من المتعارف أن تعلن الوزارة بهذه الكيفية التي تشبه المنهج الاستباقي.. خاصة وأن الوزارة جاءت مفاجأة مدوِّية وليس صحيحاً ما أوردته معظم الصحف من أنه لا مفاجأة في التشكيل الجديد.. ذلك أن عدم وجود المفاجأة هو أعظم مفاجأة.. والذي يزيد في عظم المفاجأة الطريقة التي أُعلنت بها الوزارة.. لأن العادة جرت أن تعلن الوزارة بمراسيم جمهورية ولا تعلن من خلال اجتماع المكتب القيادي لأي حزب ولا على لسان نائب الرئيس ولا مساعده ولا رئيس الحزب ولا نائبه إلا عند وجود مبررات موضوعية تحتم عمل شيء غير المألوف.. والذي يشير إشارة قوية إلى أن هذا الإعلان عمل استباقي هو وجود فراغات كثيرة في التشكيل لم يتم حسمها.. ولا أحد يعلم على وجه اليقين متى يتم الاتفاق ومتى يعلن التشكيل في صورته النهائية والذي لا يخفى على الحصيف أن مفاجآت هذا التشكيل كثيرة منها عودة كثير من الأسماء القديمة إلى مواقعها مع أن عامة أهل السودان عقدوا الخنصر بعد تصريحات الرئيس على ذهابها.. ولا أقول غير مأسوف عليها لتفسح المجال لإثبات أن السودان ليس خلوًا من المواهب ولا من الكفاءات وأن الإنقاذ ليست ميراثاً لبيتين ولا ضيعة يتبادلها قلة من أهل الإنقاذ لا يتميزون على أحد من إخوتهم بشيء.. وجلهم كانوا يتزاحمون مع بعضهم البعض في صفوف الدراسة وفي الداخليات وفي ميادين الرياضة.. وليت الذي يجري الآن قد بني على ضرب من ضروب التفوق في أي مجال من المجالات وليس في قولنا هذا اعتراض على ناموس ولا على قانون ولا على رؤية فكرية أو على مصلحة راجحة للسودان أو لقطاع من قطاعات الشعب أو من قطاعات الدولة أو كان الأمر مبنيًا على حسابات مرحلية. كل ذلك كان يمكن أن يكون مفهوماً.. ولكن ليس من المفهوم أن تأتي التشكيلة الجديدة بوجوه طال حولها اللغط حتى وصلت قضاياها إلى المحاكم.. زيادة على طول المدة التي قضتها في الحكم دون إبداع يبرر تفردها بالجلوس على الكرسي.. ولا أحسب أن خواجة ود أبو سن قد طول أكثر مما طولت هذه القيادات.. زد على ذلك أن إنهاء تكليف هذه القيادات كان سيساعد على بناء أمجاد جديدة للإنقاذ وللسيد الرئيس شخصياً.. مما ينذر بأن هذا التشكيل إذا لم تتداركه الإنقاذ بكيفية من الكيفيات أو صورة من الصور فإن آثاره النفسية على المواطن وعلى أهل الدعوة وأهل العلم وعلى أهل الهم في داخل السودان وخارجه ستظل باقية.. إن الذي لا شك فيه أن هذا التشكيل الذي أعلن بعد إجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني هو تشكيل حكومة لا برنامج لها ولا رؤية.. وكل الذي يمكن أن يستخلصه المراقب أن هذا التشكيل ليس له برنامج إلا مخاوف الإنقاذ وأوهامها.. ويبدو أن الإنقاذ أصبحت تخاف من ضلها وربما ظنت أن لحم الرأس هذا الذي أعلنته ربما ساعد في صد الهجوم والاستهداف عنها.. وقد كتبنا بالأمس نحذر من هذا المولود الذي طال انتظاره أن يأتي كما وصفه البعيث في بيت الشعر الذي هجا به جريراً. والمخيف في هذا التشكيل ضخامته غير المتوقعة وغير المحسوبة إذ كيف بالله يتكون هذا التشكيل في هذه المرحلة التي لا تتسم إلا بالضائقة المالية والغلاء المتصاعد بالحق وبالباطل كيف يتكون من أكثر من ستين وزيراً ووزيرة.. فإذا وضعنا في اعتبارنا القانون الذي أصدره المجلس الوطني حول المخصصات لشاغلي المناصب الدستورية فإن الصورة تصبح كالآتي: لسوف يتحول الشعب كله إلى «شغيلة» و«طلبة» و«عسفاء» ليس لهم همّ إلا توفير المرتبات والبدلات والحوافز لشاغلي المناصب الدستورية، وإذا أفلح الشعب في ذلك فإن حكومة الترضيات هذه تكون قد حققت فعلاً ما جاءت لتحقيقه.. وإذا فضل الشغيلة والطلبة والعسفاء والأجراء والبلوريتاريا في توفير احتياجات شاغلي المناصب الدستورية.. فلا يلومنّ الشعب إلا نفسه ولسوف تتضاعف أسعار البترول والسكر واللبن وعلى نفسها جنت براقش. { يا هؤلاء ماذا تريدون من دين الله؟ وصلتني وأنا أكتب هذا المقال اليوم الخميس ثلاثة كتيبات مطبقة وكتيبان في الواقع من جامعة الخرطوم معهد الدراسات والبحوث الإنمائية وحدة النوع والتنمية بالتعاون مع هيئة الأممالمتحدة. والإصدارات الثلاث تدور حول المرأة والدستور وهي في الحقيقة لا تتكلم عن المرأة ولكن تتكلم عن الجندر أو النوع والنوع يعني المنزلة بين المنزلتين يعني لا رجل و لا مرة يعني خنثى مشكل أو كما يقول أهلنا «أمحمد ولد» والخواجات يقولون «TOMBOY» والمصطلح غريب ويصادم الطبع والسمع والعقل والنقل وواضح أن الذين يديرون معركته هم بلا عقل ولا دين.. إذ ما معنى أن يحمل المطبق رقم «1» عنوان قضايا المرأة السودانية في الدستور الانتقالي «2005»؟! ولا أدري هل الذين كتبوا هذا المطبق هل يدينون مثلنا بالإسلام أم يدينون بنحلة أخرى غير الإسلام. والكتيب الثاني يحمل عنوان مشروع وثيقة دستور يراعي منظورالنوع الاجتماعي «الجندر» ولا أدري أين هو هذا النوع الاجتماعي في المجتمع السوداني أو المجتمع المسلم. هذه قضية شائكة ومعقدة والذين وصلوا إلى هذه الهاوية السحيقة من أتباع الملل الكافرة بلا عقل ولا دين ما فعلوا ذلك إلا لأنهم وجدوا العرين خاليًا القساورة والبزاة فنعق فيه البوم والرخم وبنات آوى. والكتيب الثالث يحمل عنوان «وضع المرأة في الدستور المقبل: النوع وقضايا الحكم الراشد». إن الإنقاذ اليوم تتفوق على بني أمية في أخريات أيامهم.. فقد كان الصراع في ذلك الحين حول السلطة الزمنية أما الملة والعقيدة فلم تكن تمس.. أما أمية اليوم فهم سادرون في نرجسيتهم ودين الله يؤتى من كل جانب وهم قيام وأخشى أن يأتي يوم يبحثون عن بنان يعضونه ندمًا فلا يجدونه. وحتى نعود إلى هذه الترهات في مجال أرحب من نصف عمود نهنئ جامعة الخرطوم على مساهمتها المقدرة في محاربة أزمة ورق التواليت فقد جاءت الإصدارات الثلاث خلوًا من بسم الله الرحمن الرحيم وخلوًا من أية آية أو حديث.. ملاحظتي أن الورق ثقيل شوية أرجو من الجامعة أن تراعي هذه الحقيقة حتى لا يخز الورق من «يتمشش» به وهو لا يستحق أكثرمن ذلك.