مناوي يلتقي العمامرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للسودان    ماذا لو اندفع الغزيون نحو سيناء؟.. مصر تكشف سيناريوهات التعامل    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    أول تعليق من ترامب على اجتياح غزة.. وتحذير ثان لحماس    مناوي: صمود الفاشر رسالة تاريخية لعبدالرحيم دقلو    فبريكة التعليم وإنتاج الجهالة..!    تأملات جيل سوداني أكمل الستين    السودان يدعو المجتمع الدولي لدعم إعادة الإعمار    ريال مدريد يواجه مرسيليا في بداية مشواره بدوري أبطال أوروبا    مقتل كبار قادة حركة العدل والمساواة بالفاشر    أونانا يحقق بداية رائعة في تركيا    بيراميدز يسحق أوكلاند ويضرب موعدا مع الأهلي السعودي    دبابيس ودالشريف    مصلحة الشعب مع الحقيقة دائما حتى لو كانت قاسية    السودان يشارك في مؤتمر ومعرض المجلس الدولي للمطارات لإقليم أفريقيا    ما ترتيب محمد صلاح في قائمة هدافي دوري أبطال أوروبا عبر التاريخ؟    رئيس مجلس السيادة يلتقي أمير دولة قطر و يعقدان اجتماعاً ثنائياً    "خطوط حمراء" رسمها السيسي لإسرائيل أمام قمة الدوحة    دراسة تكشف تأثير "تيك توك" وتطبيقات الفيديو على سلوك الأطفال    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    لقد غيّر الهجوم على قطر قواعد اللعبة الدبلوماسية    الشرطة تضع حداً لعصابة النشل والخطف بصينية جسر الحلفايا    شاهد بالصور.. زواج فتاة "سودانية" من شاب "بنغالي" يشعل مواقع التواصل وإحدى المتابعات تكشف تفاصيل هامة عن العريس: (اخصائي مهن طبية ويملك جنسية إحدى الدول الأوروبية والعروس سليلة أعرق الأسر)    شاب سوداني يستشير: (والدي يريد الزواج من والدة زوجتي صاحبة ال 40 عام وأنا ما عاوز لخبطة في النسب يعني إبنه يكون أخوي وأخ زوجتي ماذا أفعل؟)    هالاند مهاجم سيتي يتخطى دروغبا وروني بعد التهام مانشستر يونايتد    الهلال السوداني يتطلّع لتحقيق كأس سيكافا أمام سينغيدا    شاهد بالصورة والفيديو.. بضحكة مثيرة جداً وعبارة "أبشرك اللوري مافي زول سائقه مركون ليهو زمن".. سيدة سودانية تثير ضجة واسعة بردها على متابع تغزل في جسدها: (التحية لسائق اللوري حظو والله)    شاهد بالفيديو.. الفنان شريف الفحيل يفتح النار على المطربة إيمان الشريف: (المجهود البتعملي عشان تطبلي لطرف تاني قدميه لزوجك لأنك مقصرة معه ولا تعطيه إهتمام)    شاهد.. "جدية" الإعلام السوداني تنشر صورة لها مع زوجها الشاعر وتستعين بأبيات من الغزل نظمها في حقها: (لا شمسين قدر نورك ولا الاقمار معاها كمان)    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    مصر تسجل مستوى دخل قياسيا في الدولار    وزير الداخلية يترأس إجتماع لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة ولاية الخرطوم    عودة السياحة النيلية بالخرطوم    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    وزارة الزراعة والثروة الحيوانية والري بالخرطوم تبحث إعادة إعمار وتطوير قطاع الألبان    شاهد بالصورة والفيديو.. عروس سودانية ترفض "رش" عريسها بالحليب رغم إقدامه على الخطوة وتعاتبه والجمهور يعلق: (يرشونا بالنووي نحنا)    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    أعلنت إحياء حفل لها بالمجان.. الفنانة ميادة قمر الدين ترد الجميل والوفاء لصديقتها بالمدرسة كانت تقسم معها "سندوتش الفطور" عندما كانت الحياة غير ميسرة لها    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    الخرطوم: سعر جنوني لجالون الوقود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    عثمان ميرغني يكتب: "اللعب مع الكبار"..    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    تخصيص مستشفى الأطفال أمدرمان كمركز عزل لعلاج حمى الضنك    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    حادث مأسوي بالإسكندرية.. غرق 6 فتيات وانقاذ 24 أخريات في شاطئ أبو تلات    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    الصحة: وفاة 3 أطفال بمستشفى البان جديد بعد تلقيهم جرعة تطعيم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مفهوم اليسر في الدين
نشر في الانتباهة يوم 09 - 12 - 2011

اليُسْر مقصد من مقاصد الدِّين الكبرى، جعله الله تعالى أساساً لكل ما أمر به ونهى عنه في كتابه وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأمرنا أن نلتزمه في فهمنا للدين والعمل به والدعوة إليه؛ فقال تعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ» «البقرة : 185».
وقال صلى الله عليه وسلم : «إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره» وفي لفظٍ : «إنكم أمة أُريد بكم اليُسْر». أخرجه الإمام أحمد بسندٍ صحيح.
ولكن ما معنى أن يكون الدِّين يسراً؟ إن آية اليُسْر نزلت تعليلاً لأمره تعالى بالفطر للمريض والمسافر. ولكن هل الصيام نفسه الذي وردت بمناسبته قاعدة التيسير شيء لا مشقة فيه؟ ماذا لو قال إنسان: لو كان الصيام نصف شهر لكان أيسر، ولو كان أقل من ذلك لكان أكثر يُسْراً، بل لو لم نُؤمر بالصيام لكان اليُسْر كله؟! وما يُقال عن الصيام يُقال عن سائر ما أمر الله تعالى به من صلاة وصيام وحج وزكاة وجهاد بالمال والنفس؛ إنها كلها تكاليف فيها شيء من مشقة؟ فلو كان معنى التيسير: أن لا يُؤمر الناس بشيء فيه أدنى مشقة؛ لما كان هنالك تكليف بصلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا جهاد؛ لأن فعل ما لا مشقة فيه البتة أَيْسر فيما يبدو لأول وَهْلَة مما في فعله أدنى مشقة.
فما المقصود باليُسْر إذاً؟ معناه فيما يبدو لي: فعل ما يحقق الغاية بأدنى قدر من المشقة، مثلاً: إذا كان لا بد لك من وسيلة للكسب تحفظ لك ماء وجهك وتغنيك عن السؤال وتوفر لك ما تحتاج إليه من طعام ولباس وسكن وزيادة توفر بعضها وتتصدق ببعض؛ فإن خير وسيلة هي عمل يحقق لك كل هذا بأدنى قدر من المشقة.
فإذا قال لك الشيطان: لكن عدم الكسب أَيْسر من أية وسيلة فيها شيء من مشقة، ولذلك فإن الأفضل لك ألّا تعمل إطلاقاً.. ستقول له إن كنتَ عاقلاً: هذا صحيح بادئ الرأي أيها الخبيث! لكن انظر ماذا سيترتب على البطالة، إنها ستجعل حياتي أعسر نفسياً وربما جسدياً؛ فعملي رغم ما فيه من مشقة هو في النهاية أَيْسر من البطالة التي يبدو أنه لا مشقة فيها.
وكذلك الأمر بالنسبة للدِّين؛ فما يأمرنا الله تعالى به هو أعمال تحقق غايات ضرورية لنا، غايات لا تكون لنا سعادة إلا بها، ولكنها باعتبارها أعمالاً فلا بد أن تتضمن شيئاً من الجهد والمشقة، لكن الله تعالى الخالق لكل شيء، المحيط علماً بالوسائل والغايات، الرحيم بعباده، يختار لنا أسمى الغايات، ثم يدلُّنا إلى أحسن الوسائل التي تحققها بأدنى مشقة، كما قال الله تعالى في أول آية علّل بها أمره بالصيام : «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» «البقرة : 183».
فالغاية المطلوب الوصول إليها هي التقوى، والوسيلة إليها التي لا وسيلة غيرها لتحقيق هذا النوع من التقوى هو صيام شهر رمضان.
وعليه؛ فيمكن تقسيم الأعمال بالنسبة لغاياتها ووسائلها إلى أربعة أنواع: أحسنها: غاية حسنة ووسيلة ميسرة، وهذا هو الذي اختاره الله تعالى لعباده.
وأسوؤها : غاية سيئة ووسيلة شاقة، من أمثلتها : محاربة الكفار للمسلمين، وبذلهم أموالهم وأنفسهم في سبيل ذلك. ومنها: ما يتظاهر به المنافق من صلاة وصوم وحج وزكاة وربما جهاد. في مثل هذا العمل قالت العرب: لحم جمل غَثٌّ، على رأس جبل وَعْرٍ، لا سمين فيُشْتَهى، ولا سهل فيُرْتَقى.
وأقل منه سوءاً: غاية سيئة ووسيلة سهلة .
وأحسن من هذا: غاية حسنة ووسيلة عسرة.
وهذا يشمل كل ما خالف السُّنّة من أنواع الأعمال الصالحة.
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ جُوَيْرِيَةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّى الصُّبْحَ وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَى وَهِيَ جَالِسَةٌ فَقَالَ : مَا زِلْتِ عَلَى الحال الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ! قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - : لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ ثَلاثَ مَرَّاتٍ لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ » . «صحيح مسلم : 13/ 258».
فالحديث يدل على أنه بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في عبادته يحصل الإنسان بالعمل القليل في الوقت القصير على الأجر الكبير.
فيا خسارة الذين يستبدلون بأذكار النبي - صلى الله عليه وسلم - أذكاراً اخترعوها أو اخترعها لهم سادتهم، إنها في أحسن أحوالها جهد كبير وأجر قليل. ولذلك كان عدد من الصحابة رضي الله عنهم يقول: اقتصاد في سُنّة خير من اجتهاد في بدعة.
أما إذا كانت تتضمّن شركاً أو شيئاً حراماً فإنها قد تكون من النوع الذي قال الله تعالى فيه: «هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً» «الغاشية : 1 4».
وقوله تعالى: «وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا» «الفرقان :23».
وإذاً ؛ فالدِّين كله يُسْر بهذا المعنى الذي ذكرناه. قال سماحة الشيخ صالح بن حميد في خطبة له جامعة عن اليُسْر «1» : والتيسير مقصد من مقاصد هذا الدِّين، وصفة عامة للشريعة في أحكامها وعقائدها، وأخلاقها ومعاملاتها، وأصولها وفروعها ؛ فربُّنا بمنِّه وكرمه لم يكلِّف عباده بالمشاقّ، ولم يردعنا كالناس، بل أنزل دينه على قصد الرِّفق والتيسير.
شريعة الله حنيفية في التوحيد، سمحة في العمل، فلله الحمد والمنّة .. «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ » «البقرة : 185 »، «يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا» «النساء : 28»، « هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ » «الحج : 78».
والتيسير له معانٍ أخرى، منها : أن الله تعالى لا يكلِّف الناس بما يطيقون، بل بما هو في وُسْعهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وتأمَّل قوله عزَّ وجلَّ : «إِلاَّ وُسْعَهَا»، كيف تجد تحته أنهم في سِعَة ومنحة من تكاليفه، لا في ضيق وحرج ومشقة؛ فإن الوُسْع يقتضي ذلك؛ فاقتضت الآية أن ما كلَّفهم به من غير عُسْر لهم ولا ضيق ولا حرج، بخلاف ما يقدر عليه الشخص؛ فإنه قد يكون مقدوراً له ولكن فيه ضيق وحرج عليه. وأما وُسْعه الذي هو منه في سِعَة فهو دون مدى الطاقة والمجهود، بل لنفسه فيه مجال ومتّسع» . «الفتاوى: ج14، التفسير الجزء الأول، ص 137 - 138».
ومنها: أن العمل وإن كان فيه مشقة إلا أن الله تعالى يجعله سهلاً بطرائق كثيرة، منها: أنه يغير طبيعته الشاقة فيجعلها سهلة، كما ذكر الشيخ بالنسبة للقرآن الكريم ذكراً وتدبُّراً وفهماً.
ومنها: أن يجد المؤمن في العمل لذّة روحية، حتى إنه ليكاد ينسى ما فيه من مشقة.
وإذا حلَّت الهداية قلباً نشطت للعبادة الأعضاءُ
ومنها: أن يريد المؤمن تحقيق غاية يحبها لكنه يعلم أنها لا تتحقق إلا بعبادة معينة فيحرص عليها طلباً لتلك الغاية المحبوبة فتهون عليه؛ كما في قوله تعالى عن الصلاة: «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ» «البقرة : 45 46» . وقوله تعالى: « اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ » «العنكبوت: 45».
«وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاهُ قَالَتْ عَائِشَةُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ! فَقَالَ : يَا عَائِشَةُ ! أَفَلا أَكُونُ عَبْداً شَكُوراً» «أخرجه مسلم».
فحرصه - صلى الله عليه وسلم - على شكر ربه وهو شعور له لذّة لا تعدلها لذّة هو الذي يسَّر له هذا العمل الذي يبدو شاقّاً.
ومنها: أن الله تعالى قد يزيل مشقات العمل حتى لا يكاد يبقى منها شيء ؛ فأشق شيء على الإنسان أن يُقْتل لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : «ما يجد الشهيد من مسِّ القتال إلا كما يجد أحدكم من مسِّ القرصة «أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، وقال : حديث حسن صحيح».
وعليه؛ فإذا كان الله تعالى قد تكفَّل بتسهيل العمل بما أنزل من أمر ونهي؛ فكذلك يجب أن نفهمه نحن في ممارستنا له. ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح مشيراً إلى هذه الممارسة: «إن هذا الدِّين متين؛ فأوغلوا فيه برفق».
وقال: «إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره، إن خير دينكم أَيْسره»، فعبارة «خير دينكم» هي إشارة إلى الدِّين الممارس لا الذي أنزله الله تعالى، فإن ذلك ميسّر في أصله لا يحتاج إلى أن ييسّره إنسان.
ومن أحسن ما قرأت تطبيقاً لهذه الأحاديث ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه قال: حدثنا أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن الأزرق بن قيس قال: «كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء، فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلّى وخلّى فرسه، فانطلقت الفرس، فترك صلاته وتبعها حتى أدركها، فأخذها، ثم جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأي، فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ، ترك صلاته من أجل فرس، فأقبل فقال: ما عنّفني أحد منذ فارقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال: إن منزلي متراخٍ، فلو صليت وتركت لم آتِ أهلي إلى الليل، وذكر أنه صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى من تيسيره».
لكنَّ فعل «أبي برزة» يختلف عما يفعله بعض الناس الآن في اختيارهم لما يختارون من الأقوال التي اختلف فيها العلماء. يقول أحدهم لنفسه: ما دام الدِّين يسراً فإنني سأختار ما أراه أسهل عليّ أو على الناس، ثم يبدأ ينظر في الأقوال بهذا المعيار فيقول مثلاً: قول الحنفية هذا صعب، لكن قول الحنابلة أصعب، أما قول المالكية فسهل، وأسهل منه قول الشافعية، وأسهل من هذا كله قول العالم الفلاني الذي خالفهم جميعاً، فأنا آخذ به.
إن المنهج الصحيح هو أن يقول الإنسان لنفسه: ما دام دين الله كله يُسْراً فسأختار ما أراه بأدلّته أقرب إلى الشرع؛ لأن الأقرب إلى الشرع هو الأقرب لتحقيق الغاية بأدنى مشقة.
قد يقول قائل: أليس هذا الذي انتقدتَ منهجه متأسياً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أَيْسرهما؟ يقال له: نعم إذا خُيِّر كما في قوله تعالى: «فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ» «البقرة : 196».
والتخيير معناه أن كل واحد من الأمور المخيّر فيها يؤدي الغرض المطلوب، لكن بعضها قد يكون أَيْسر على الإنسان من بعض، فيختاره. لكن ما نحن في صدده لا علاقة له بالتخيير، بل المطلوب فيه معرفة حكم الله تعالى في الأمر الذي اختلفت فيه الأقوال أو الاجتهادات؛ لأنها إذا تناقضت فلا يمكن أن يكون كل واحد منها صحيحاً مؤدّياً الغرض . نعم ؛ إذا استوت الأدلة ولم يمكن ترجيح بعض الأقوال على بعض، فإن الأخذ بالأَيْسر يكون منهجاً صحيحاً.
لكن رغم هذا فقد يحدث التعسير في الدِّين شرعاً أو قدراً، ويكون عقاباً من الله تعالى لبعض الناس. مثال التعسير شرعاً: ما قال الله تعالى فيه: «فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا» «النساء: 160».
وأما التعسير القدري فيكون بسبب سوء فهم بعض الناس للدِّين وإلزامهم أنفسهم بما لم يلزمهم به الله تعالى من أنواع العنت.. وهذا هو الذي يحدث لأناس من هذه الأمة التي اختار الله لها الحنيفية السمحة والتي قال الله تعالى عن رسولها: «الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» «الأعراف : 157».
هذا العنت القدري العقابي هو الذي يدعو المسلمُ ربه أن يعيذه منه: «رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِرِينَ» «البقرة:286».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.