«إن مستقبل الدعوة الإسلامية في السودان يعد نموذجاً لدعوات أخرى في كل العالم، ولكنه يتفرد عنها بأنه قد اتيح له أن يستظل بنظام سياسي خلال فترة تزيد على العقدين، ولكن الدعوة التي يعجز فقهها عن الانتقال من مرحلة الصفوية إلى مرحلة الجماهيرية، سوف تكون أكثر عجزاً عندما تتحول إلى دولة، بل وتكون أشد عجزاً عندما ينتظر منها أن تقدم خطاباً عقدياً وفكرياً وسياسياً لكل العالم، ولهذا لابد من مراجعات فقهية وفكرية وهيكلية وتنظيمية لمناهج الدعوة على كل الصعد، كي تضمن الدعوة حيويتها ونشاطها وهي تنتقل من مرحلة الصفوية إلى الجماهيرية، ومن الجماهيرية إلى الدولة، ومن الدولة إلى العالمية، لإعادة الحضارة الإسلامية الجامعة بين الأصل والعصر، وتظل العقيدة هي حجر الزاوية لبناء الفرد والجماعة والدولة والأمة، وهي مثل فقه المعاملات والعبادات تحتاج إلى تجديد لا في نصوصها ولا قضاياها ولكن في وسائل شرحها، وضبط ما يظهر من عقائد جديدة». السطور أعلاه مقدمة لمقال مطول للأمين العام لمجلس الدعوة بولاية الخرطوم د. صلاح الدين عوض محمد، حول مستقبل الدعوة الإسلامية في السودان، نشره بموقع المجلس على شبكة الإنترنت، ومما لا شك فيه أن انتقال الدعوة إلى الجماهيرية هدفه الضبط وعدم الانكفاء بالنظر إلى الأمور الدينية الأكثر تعلقًا بصحة العقيدة، على نحو أقل دراية بتفاصيل المعاني المتمثلة في شعاب الإيمان التي تتجاوز السبعين شعبة وليس بها شيء يدفعنا إلى القلق للتمسك بالمظهر دون الجوهر، والاكتفاء بالوقوف عند الباب دون الولوج إلى المحراب ولب القضايا الجوهرية، لأجل ذلك بدأ مجلس الدعوة بولاية الخرطوم يطرح هذه الأيام أسابيع دعوية متخصصة في القضايا العقدية المعاصرة والتي طفت على سطحها أمراض المدّعين للنبوة والمهدوية والدجالين والمشعوذين والمكفرين والمنحرفين وغيرهم، عبر محاضرات شملت عددًا من المساجد بالولاية، في بادرة هي الأولى من نوعها يقوم بها المجلس منذ تكوينه، بالنزول إلى المساجد ومخاطبة المصلين على خلاف مستوياتهم الفقهية وإدراكهم العلمي ليس من وراء حجاب هذه المرة، في قضايا كانت مثار جدل محتدم بين طوائف دينية عدة جعلت عددًا من دور العبادة في حالة انشطار إلى نصفين، وفي حديثه ل «الإنتباهة» أوضح الأمين العام للمجلس د. صلاح الدين عوض بالقول «إن هناك فتنة في المساجد» في إشارة إلى أن السبب في ذلك الانقسام يعود إلى عدم تنزل العلم الشرعي إلى الناس في المساجد عبر المختصين من الفقهاء، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى أساتذة الجامعات، مشيرًا إلى تقصيرهم في الدعوة وتبصير الناس بأمور دينهم مما أفضى إلى حالة من الاتباع على جهل، موضحًا أن عدد الأساتذة في الجامعات الإسلامية يفوق ال «2000» أستاذ واستشهد بالحديث الشريف «الناس كمائة من الإبل لا تجد فيهم إلا راحلة»، ولم يستثن الإعلام من التقصير في مواجهته لتلك القضايا ذات الحساسية العالية، ونبه إلى خطورة الأمر وتضمنه إلى محاولات لصرف المسلمين عن المسائل الدينية كبيرة الأهمية وفتح أبواب الجدل المستمر حول الأقل أهمية، مشيرًا إلى أن خطتهم خلال الأسابيع القادمة ستتضمن محاضرات مفتوحة لوضع القضايا الاجتماعية«التسول، المخدرات» وغيرها على طاولة الحوار والنقاش المستفيض والنزول بالدعاة إلى الأندية والجامعات، لتحذير الشباب من الوقوع في آفة الغلو والتطرف، وتطرق العوض إلى جملة من الصعوبات التي تواجههم والمتمثلة في اختيار بعض المساجد ذات العدد القليل من المصلين، صعوبة وجود النساء في الفترة ما بين المغرب إلى العشاء بالمسجد لعدة التزامات تخصهنّ ومعرفة بعض الأساتذة بالمادة في مقابل عدم قدرتهم على فن الإلقاء.. وأضاف مدير إدارة الدعوة د. إبراهيم آدم في تنوير حول الأسبوع المتخصص أن المحاضرات المقدمة في عدد من المساجد بمحليات الولاية المتعددة اشتملت على مفهوم الولاء والبراء «الموالاة والمعاداة في الإسلام»، الغلو والتطرف من منظور إسلامي، أدب الخلاف في الإسلام ، منهجية الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية والدعوة.. وبين مدّعي النبوة السوداني، سليمان أبو القاسم ، وآخرين دفعتهم الأفكار المضللة إلى أبعد ما يكون عن الاهتداء بالنصوص القرآنية الواضحة والأحاديث النبوية الشريفة، يبقى السبيل إلى الاهتمام بالدعوة إلى طريق قويم لملء الفراغ الفكري لدى الكثيرين أمر تكتنفه صعوبات جمة تحتاج إلى الرعاية أكثر من غيرها حتى ينصلح الحال وتتوحد التطلعات والآمال.