لقد كان همي الإعلامي، بعد التشكيل الوزاري الأخير، أن أتعرّف على مايدور في الأوساط العامة من رأي، يمثل غالبية الرأي العام، حول ملاحظاتهم بشأن ما كانوا يتوقعونه من تغيير وبداية للجمهورية الثانية، والذي حدث، وذلك على ضوء ما صدر من بُشريات بأن المرحله القادمة ستشهد طريقة مغايرة، وآليات جديدة لمخاطبة الظرف الراهن ومقابلة التحديات الماثلة. ولقد كانت الآراء متطابقة حول ما بذل من جهد كثيف لإلحاق جزء كبير من الأحزاب والكيانات بالحكومة، وهذا التوجه خظي بالتقدير والثناء بحسبان أن بلادنا تحتاج إلى جميع أحزابها ومجموعاتها ليتسنى توزيع ماتنوء به من ثقل عظيم، ولكن الملاحظة الجديرة بالإنتباه التي تحوّلت من همسٍ إلى جهر ٍ، هي أن المؤتمر الوطني كان بإمكانه أن يحرِّك آلياته وماكيناته في كل اتجاه، وهو الحزب المعروف بما يحويه من دُرر وكفاءات لايستطيع أحد منّا إحصاء ما تمتاز به من قدرات. وقد يكون السبب الذي أفضى إلى تثبيت وزراء المؤتمر الوطني في مواقعهم مع إجراء تبادل طفيف لذات الكوادر القديمة من موقع إلى آخر، هو ضرورة الدفع بالمرحلة القادمة، خاصة وأن الذين شاركوا يحتاجون إلى من لديهم الخبرة حيث طال الزمن بينهم وبين المسؤولية العامة، وتقلد المناصب الوزارية. وبالرغم من قوة هذه الحجّة، غير أن المفيد الذي يضمن استمرارية واستقرار الحكم مع وجود عناصره، هو أن يقلع المؤتمر الوطني من عقيدة القديم إلى عقيدة حتمية ملزمة بالتطوير والمواكبة، ولايعني هذا أن تترك العناصر القديمة وتوضع في الإرشيف، ولكن بعملية جراحية يسيرة يصاحبها تحملٌ للعلاج، يمكن للمؤتمر الوطني أن يأتي في كل دورةٍ من الدورات الوزارية، بأطقم جديدة كل الجدة مع عدم تنحي القدامى، بإيجاد مواعين لهم يسكبون فيها خبرتهم ،لتلتقي الخبرة مع العلم والتجربة مع القادرين على المواكبة والذين تفتّقت عقولهم على أنماط حديثة من الوسائل والمناهج في هذا العصر الذي اتسم بتطوير وتصاعد وتيرة العلوم وأعقد التقانات. وأعلم تماماً بأنَّ المؤتمر الوطني، ليس حزباً جهوياً ولا طائفياً، ولاينبغي أن توجه بوصلته هكذا دون استشارة لما تغصُّ به مؤسساته من علماء أفذاذ لايشقُّ لهم غبار، كما أعلم بأن هذا الحزب، بمقدوره أن يأتي بعشرات الطواقم الوزارية التي تكمل بعضها بعضاً، فتظهر الإنجازات المتلاحقة، ويحس المرء بالنشاط الدفاق،كثمرة عندما تُحترم قواعد التسلسل المنطقي، وتوضع لتطبيق النظريات التي يملك زمام إرسائها على أرض الواقع من لا تعوزه عقلية المواكبة ، وليسوا هم اولئك الذين أجهدتهم التكاليف، وأفرغت إمكاناتهم جهود الرهق والضنك بعد أن إمتد بهم العمر وكادوا أن يطرقوا أرذله، مما يبدو على ملامح وجوههم من تجاعيد وتقاسيم. وأؤكد بأن المؤتمر الوطني فيما لو استفاد من قدرات بنية، واستثمر إمكانات قاعدته الرفيعة من علماء ومفكرين لناطح ذرى المجد، ومكنَّ دعائم الاستقرار، وحظي بالاحترام من جميع الأجيال، وعناصر الإستدامه لا تستغني عن القديم ولاتسفه من أحلام وآمال الشباب الطامحين .