عندما غزا صدام الدولة الوديعة (الكويت) لجأ أهلها لشقيقتهم السعودية كنت وقتها أعمل جراحاً في مستشفى الملك فهد «بالهفوف»، وكنت في طريقي إلى مدينة الشارقة تلبية لدعوة من الصديق الشيخ فيصل القاسمي غادرت من مطار الخرطوم فخوراً بزيي السوداني كتبت في مكان المهنة ببطاقة المغادرة «جرَّاح»، نظر موظف أمن المطار يتفحص عمامتي الأقرب إلى عمة كمال ترباس منها إلى كمال أبو سن وقال في سخرية ممزوجة بالتندر جراح مرة واحدة! قلت له بأسلوب مازح «جراح وكمان كمال أبو سن» فقال والله كترتها شوية يا خال توجَّست خيفة حينها من أن أُنعَت بانتحال شخصية شخص وتفوتني الطائرة. نعود إلى مستشفى الهفوف جنة بساتين التمور بالسعودية أخرجت عدة شظايا من فخذ مريض كويتي أصابه رشاش الغزو وكنت وقتها قد استقلت عن العمل بالمملكة وحزمت حقائبي مع طيران الكأس باسفك HANONS جمهورية إيرلندا حطت رحالي بمطار شنون واسمه مشتق من نهر عظيم يشق هذه الإيرلندا الصغير حجمها الكبير بتراثها وعزة أهلها تأسرك جغرافيا هذه البلد سهولها ووديانها وجبالها وحدودها التي يعانقها البحر في كل الاتجاهات، من خلال مراسلاتي مع المجلس الطبي ومستشفيات البلد كنت في وظيفة نائب اختصاصي من مدينة ترالي وهي حاضرة مقاطعة كري وتقع على الساحل الغربي لهذا البلد أي المحيط الأطلسي وهو من أجمل أماكن الطبيعة على هذه البسيطة بتعرجاته وهضابه وبحيراته الشاهقة. صُوِّرت معظم الأفلام الغربية به، في غرفة حوادث مستشفى ترالي استقبلنا يوماً النجم السينمائي توم كروز وكان قد «سقط» من طائرة هيلوكوبتر في عرض البحر وأصيب بانخفاض في درجة حرارة جسمه، كنت وقتها أول أسود يعمل بالمستشفى وكان ذلك مدعاة للترحاب بي فوق العادة، كانت جِراحة المناظير في بداياتها، في عام 1990م عملنا عملية إزالة حصوى في المرارة لسيدة إيرلندية حرصت على أن أكون بجوارها ساعة صحيانها من البنج العمومي بغرفة الإنعاش، نظرت إليَّ وهي تقوم ثم أغمضت عينيها، أخبرتني السستر وهي إحدى الراهبات وقتها أن المريضة عندما أفاقت من البنج ووجدتني أمامها ظنت أنها توفيت وافتكرت «إنو أنا القديس مارتن». «وهو القديس الأسود الوحيد في لوحة العشاء الأخير للسيد المسيح» وظنت أنها دخلت الجنة وكنت أنا أقرأ عليها بعض التعاويذ وهي في الجنة. الشعب الإيرلندي متدين جداً وهم «كاثوليك» ولا يؤمنون بموانع الحمل على الإطلاق.. أثناء إجراء عملية هذه السيدة وقعت إحدى الحصاوى داخل بطن المريضة، سألني زميلي الجراح الإيرلندي عن كيفية إخراج الحصوى فقلت له آخر ما نشرته المجلات العلمية يقول يمكن وضعها في conpom وإخراجها عن طريق المنظار قال لي: نحن كاثوليك ولا نسمح باستخدام conpom قلت له إذن الخيار الآخر أن نستعمل أحد أصابع القفاز الجراحي «الجوينت» «بقطع» أحد أصابعه وإخراج الحصوى جمعنا الحصاوى وكانت أكثر من عشر في علبة زجاجية أعطيتها للمريضة وقلت لها مازحاً NOW you can Build anew home يمكنك الآن بناء منزل جديد.