يتوقع أكثر من مراقب سياسي ووفقًا لمعطيات منطقية وموضوعية أن تشهد الحكومة الجديدة مشاكسات بين حزبي المؤتمر الوطني والاتحادي الأصل ولكن بطبيعة الحال ستكون أخف وطأة من تلك التي بين الأول والحركة الشعبية، والناظر إلى أسباب التشاكس يتبينها دون كبير عناء وهو أمر لا يحتاج إلى بحث.. أما مؤشراته فقد برزت منذ اليوم الأول لتدشين الشراكة بين الحزبين حيث استهل الفريقان شراكتهما بشيء من «الدافوري الخشن» و«اللكمات» الخفيفة و«الشوت الضفاري» بين عثمان عمر الشريف والدكتور نافع ... فقبل إعلان الحكومة الجديدة بساعات قلائل كان السجال ساخنًا بين وزير التجارة الجديد عثمان عمر الشريف ونائب رئيس المؤتمر الوطني الدكتور نافع علي نافع بعد انتقاد الأول للوضع الاقتصادي وتحميل حزب نافع المسؤولية من خلال تأكيده على أن سياسة السوق الحر على إطلاقه مفسدة ما بعدها مفسدة والتي تجلت في تخصيص كل المرافق. حديث الشريف يبدو أنه استفز د. نافع علي نافع كثيرًا، إذ خصص مساحة واسعة من الزمن المتاح لكلمته للرد على ما أثاره عثمان الشريف؛ مما حول الاحتفال إلى سجال وملاسنات ساخنة بين الشريكين، وأضاف أن حديث عثمان عن الاقتصاد لم يكن موفقًا؛ لأن الكل يعلم أن الاقتصاد عندما جاءت الإنقاذ لم يوجد في بنك السودان سوى 100 ألف دولار وأن مشاريع الزراعة كانت تعتمد على المعونات الخارجية. شريف بدرجة باقان لكن الشريف لم يقف عند هذا الحد لكنه بعد يوم واحد من أداء القسم لتسلم منصبه الجديد أطلق تهديدات مباشرة بالانسحاب من حكومة المؤتمر الوطني وحذَّر في الوقت نفسه من عدم الالتزام بالاتفاق المبرم بينهما وهي تحذيرات في إطارها العام تشبه إلى حد كبير تهديدات مالك عقار ودينق ألور وباقان أموم للمؤتمر الوطني قُبيل وبُعيد تسلمهم مهامهم في حكومة «الوحدة الوطنية» السابقة مما يعني أن هوة عدم الثقة ما زالت متسعة بين «الوطني والأصل» لأسباب موضوعية ومعروفة، وإذا كان فقدان الثقة بين الوطني والشعبية في السابق كان من أكبر دوافع التشاكس فإن أسبابه الآن تستدعيه عوامل عدم الثقة نفسها ولو بدرجة أقل. في خندق المعارضة القيادي في الحزب الاتحادي الأصل الدكتور علي السيد قال في محاولة لتخفيف حدة هجوم عثمان الشريف على الترابي والمعارضة إن تصريحات الأول وهجومه على المعارضة والترابي تخص الشريف وحده ولا تمثل الحزب وإن الاتحادي الأصل مازال في خندق المعارضة!! تصريحات الدكتور علي السيد أعادت إلى الأذهان تصريحات قيادات الحركة الشعبية الجنوبية أيام شراكتها المشاكسة مع المؤتمر الوطني وهو وضع تبدو من خلاله الحركة الشعبية حاكمة في القصر الجمهوري ومجلس الوزراء ومعارضة في نفس الوقت من خلال تحالف جوبا المعارض وهو ما عبَّر عنه الآن علي السيد بوضوح ... «الاتحادي الأصل مازال في خندق المعارضة»..!!. هناك أسباب قوية ستجعل الاتحادي الأصل يلعب دور الحركة الشعبية السابق، أي رجل في الحكومة والأخرى في المعارضة، ويمكن إجمال تلك الأسباب في الآتي: أولاً: طول فترة الخصومة السياسية مع الوطني واستدعاء الشعور بالقهر والمصادرة والمرارات السابقة والتعبير عن ذلك بطرق مختلفة عند تذكر تلك المرارات وهو شعور نفسيًا يصعب تجاهله وتخطيه. ثانيًا: إظهار المعارضة وعدم الانسجام مع الشركاء لتخفيف حدة الغضب لدى القواعد التي مازالت ترفض المشاركة ومسايرة التيار الغالب الذي فُرضت عليه العملية فرضًا. ثالثًا: الإبقاء على شعرة معاوية بين الحزب والمعارضة من خلال إبداء المعارضة لبعض برامج الوطني والظهور بمظهر مخالف لحالة الانقياد التي اتّسم بها أداء بعض التنظيمات الاخرى المشاركة. رابعًا: انعدام الأرضية المشتركة وفقدان الثقة سيظل الرافد الأساسي والحبل السري لتغذية جنين المشاكسة وعدم الانسجام بين الأصل والوطني. خامسًا : ثمة انطباع عام لدى القوى السياسية وهو انطباع تعزِّزه بعض المعطيات الموضوعية وقرائن الأحوال وهو أن الوطني لايحترم اتفاقاته مع القوى السياسية، هذا الشعور لا شك أنه سيدفع الاتحادي للتهديدات والتحذيرات المبكرة التي تغذي أجواء التوتر والتشاكس.