قبل تناول هذه القضية التي يمكن أن تتشابه في كثير من مناطق السودان فالنقف قليلاً وبقراءة متأنية لما ورد في الباب السابع عشر القانون الجنائي السوداني لسنة 1999م المادة 179 (1) ونقرأ: إعطاء أو تظهير صك مردود وتنص على الآتي: يُعد مرتكب جريمة إعطاء صك مردود من يعطي شخصًا صكًا مصرفيًا وفاءً لالتزام أو بمقا بل ويرده المسحوب عليه لأي من الدواعي الآتية: (أ) عدم وجود حساب للساحب لدى المسحوب عليه وقت تقديم الصك. (ب) عدم وجود رصيد للساحب كافٍ أو قابل للسحب مع علمه بذلك. (ج) وقف الساحب صرف قيمة الصك بأمر منه أو ممن ينوب عنه دون سبب معقول. (د) تحرير الساحب للصك بصورة غير معقولة مع علمه بذلك. (2) من يرتكب جريمة إعطاء صك مردود يُعاقب بالغرامة أو بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو بالعقوبتين معًا. (3) من يظهر صكًا مصرفيًا ويسلمه لغيره ويرد بالوجه الوارد في البند (1) وكان يعلم بما يدعو لرده يعاقب بالغرامة أو بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو بالعقوبتين معاً. (4) من يرتكب للمرة الثالثة جريمة إعطاء صك مردود أو تظهيره، يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سبع سنوات وبالغرامة. أيضاً لنا أن نقرأ ما ورد في ذات الباب تحت المادة 180 (1) بعنوان: التملك الجنائي.. وتنص على الآتي: يعد مرتكب جريمة التملك الجنائي من يأخذ أو يعثر على مال مملوك للغير أو يستعيره أو يحوزه عن طريق الخطأ ثم يجحد ذلك المال أو يتصرَّف فيه بسوء قصد. (2) من يرتكب جريمة التملك الجنائي يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات أو بالغرامة أو بالعقوبتين معاً. مدخل ثانٍ: تحت عنوان مخاطر الاعتداء على المال العام يقول المستشار القانوني محمد الحسن عوض الله من مركز الفاروق للدراسات الاستشارية والقانونية في حديث للمركز السوداني للخدمات الصحفية: فيما يتعلق بمسألة المال العام هي مسألة في غاية الخطورة والأهمية إذ تمس المجتمع بشكل أساسي، فالاعتداء على المال العام بصورة عامة يمكن أن يكون سبباً رئيساً في خلخلة المجتمع وخلق فوارق طبقية غير منطقية وغير عادية نمت كظاهرة اجتماعية، ويواصل المستشار عوض الله: فيما يتعلق بالدوافع والأسباب نجد أن التربية الصحيحة وتوفر الأخلاقيات الفاضلة هي الحامي والحارس الأول لكل الحقوق بشكلٍ عام. ومن نيابة الأموال العامة الخرطوم تقول وكيل النيابة الأعلى المستشار مولانا فاطمة برهان الدين في ذات الموضوع: أولاً عن الأسباب والدوافع وراء الاعتداء على المال العام، إن الأسباب كثيرة تتمثل في ضعف الوازع الديني في النفوس البشرية، وأكثر المؤسسات عرضة للاعتداء هي التي لا تتوفر فيها الضوابط أو لا تنفذ القانون بصورة محكمة. من الجرائم التي تتعلق بالحق العام ولا يجوز فيها التسويات، ويتفق معها في ذلك المستشار عوض الله مشيراً إلى أن الأصل حسب القانون أن هناك جرائم في القانون لا يجوز التنازل عنها، فالتنازل يكون في الحق الخاص ولا يكون في الحق العام حسب القانون. مدخل ثالث: بهذه المداخل تبدأ فصول قضية كبرى شغلت الرأي العام بولاية النيل الأبيض وفي مدينة الدويم حيث أسس المحاسبون صندوقًا خيريًا يتبع للمحلية إدارياً، يرأسه المحاسب (ف.ع) وأمينه المالي (ص. أ) وهو صندوق خدمي أقدم على شراء أجهزة كهربائية من شركة علاء الدين أبرسي للتجارة والاستثمار المحدودة وبضمان المحلية في عام 2008 2009م وتم بيعها بالأقساط للمواطنين، وفشل الصندوق في سداد الأموال الخاصة بالشركة والبالغ قدرها مائة واثنين وعشرين ألفاً وتسعمائة وثمانين جنيهاً.. لجأت الشركة لاتخاذ إجراءات قانونية بفتح بلاغ في مواجهة الرئيس وأمين المال تحت المادة «179» من القانون الجنائي، وتم إصدار أمر القبض عليهما وفي يوم التنفيذ تدخل المهندس الأمير عبد المحمود بوصفه على صلة رحم برئيس الجمعية وعلاقة وطيدة بأمين المال، وعمل على تسوية الأمر بضمانه وبماله الخاص، ودفع نقداً قيمته عشرين ألف جنيه، وقام بتحرير شيكات للشركة الدائنة ببقية المبلغ على أن يقوم الصندوق بسدادها. ضمانات اعتبارية: إلى هذه المرحلة والأمور تسير على ما يرام، فبعد ثمانية أشهر جاء أمين مال الصندوق للأمير وطالبه بتحرير شيك باسمه؛ لأن الشيكات السابقة ارتدت والصندوق لم يوفَّق في الإيفاء بالالتزام المقطوع، كل ذلك تم بشهادة لجنة رفيعة تتكوَّن من شخصيات اعتبارية تضم رئيس المجلس التشريعي بالمحلية، وعدداً من المحاسبين والضابط الإداري للمحلية والضابط الإداري للمجلس البلدي والمراجع الداخلي، وكان الاتفاق أن يقوم أمين مال الصندوق بإرجاع عدد الشيكات السابقة (13) شيكاً. وتأخر الرجل في رحلة عودة الشيكات فبدأت مخاوف الأمير تزداد خاصة بعد انقطاع الاتصال مع أمين المال، وعلى الفور توجَّه الأمير إلى الشركة وخاطبهم بطلبه الحصول على الشيكات، إلا أنه تفاجأ بأن الشركة لم تستلم الشيكات أصلاً ورفضتها منذ الوهلة الأولى، بحجة أنها لا تعرف الأمير وأنه ليس طرفاً في البيع والشراء.. ولتعارض القانون مع مثل هذه الحالات فالشيكات أمام القانون والشركة دون مقابل. تملك جنائي: لم يجد الأمير منفذاً غير التوجُّه للقانون وساحات العدالة، فتقدم ببلاغ ضد أمين مال الصندوق بتهمة التملك الجنائي والاحتيال؛ لأنه لم يقُم بإعادة الشيكات، وصدر بموجب هذا البلاغ قرار عن نيابة الدويم موجَّهاً للسيد مدير بنك الأسرة فرع الدويم بالحجز على الشيك رقم 10450 بقيمة 80 ألف جنيه، باسم الأمير عبد المحمود صاحب الحساب رقم 645، اطمأن الأمير إلى سد هذه الثغرة، بعد انتفاء ما نصت عليه الفقرة «ج» التي تنص على وقف الساحب صرف قيمة الصك بأمر منه أو ممن ينوب عنه دون سبب معقول. إلا أن أمرًا غريبًا طرأ على مجريات القضية بمواجهة الأمير ببلاغ تحت المادة 179 من القانون الجنائي تقدَّم به أمين مال الصندوق لارتداد شيك الأمير المحجوز بأمر النيابة والمحرر، لغرض الضمان وأمام اللجنة الموقرة، مما يؤكد أن أمر النيابة لم يذهب للجهة التي خاطبها وتورط الأمير حينها.. ونواصل..