لعل السمة الطاغية على المستشفيات الولائية هي الضمور والهزال، والتردي في الخدمات، لأنها تقف على أرض هشة مائجة بالعوز والازدحام، فجل هذه المستشفيات قد تضعضعت مبانيها، وضؤل محياها، وتهدم جسدها الوثيق، وأمست طلولاً بالية تنتظر من يجدد فيها ماء الحياة حتى يزدهر وجهها الناضب، ويبتسم ثغرها الحزين. ومستشفى الدمازين »الملكي» الذي ذوت نضارته على وهج الإهمال، وذابت حشاشته على عرك الشدائد، أصابته شآبيب البلاء، وتعاورته النوائب، وغمطه عقار الآفل وعصبته حقه من الرعاية والاهتمام، فلقد هدمت تلك الناجمة بمعول الحقد كل زاهٍ وجميل في تلك الولاية المنكوبة، و«استبالية» الدمازين التي اعتلى منصتها أطباء تُشدُّ إليهم الرحال، وتضرب إليهم أكباد الإبل، على شاكلة صاحب العقل النير، والطبع الشريف، المرحوم النذير محمد فضل المولى الذي كان يأسو بمبضعهِ كل جرح دامٍ، ويسبر بمشرطهِ كل قرح مميت، وشمس المعالي، وغرة الزمن النبيل الدكتور الجحفل بشارة حاج الفضل مدير مستشفى بشائر الآن، والنطاسي اللوذعي علي الطيب الذي سخره الله لشفاء من اشتدت عليهم الأوصاب، وشقت عليهم الأمراض، ومن الذين استبطنوا دخائل علم الطب، واستجلوا غوامض المرض الأطباء خليفة محمد خير، وأسامة مرتضى، وغيرهم من الخناذيذ الذين أبعدوا بفضل الله وكرمه شبح المنايا والحتوف عن مرضاهم. وحتى لا أجحد الخير في أهله، وأنكُر الفضل في مظانهِ، يجب أن أورد أسماء أصحاب الثقافة الطبية الراسخة الأصول، والمعرفة الدوائية النامية الفروع، خبير الأشعة صبّار، والممرض الجم الأفضال اسماعيل محمد الرماش، والمرحوم أحمد عباس الأدغم، والمساعد الطبي محمد أحمد أبوجنقة أمدّ الله في عمره، وبارك الرحمن في أيامهِ، والصيدلي الحاذق الذي استوعب أصول هذا الضرب وأحاط بفروعهِ الله جابو الشيخ الذي أنهكه المرض، ولازمته العلة التي منعته الحراك، هذا الرجل الشامخ كان يجوب كل أصقاع الولاية محارباً الداء، ومانحاً الدواء، ومناط الثقة، ومعقد الرجاء، أن تهرع حكومة الولاية ممثلة في شخص وزيرة الصحة الأستاذة سهير حسن لنجدة من يعاني التعب، ويقاسي النصب. أهيبُ بمن لا يجاريهِ أحد عطاءً ومواساة ونجدة، اللواء الهادي بشرى الذي حتماً حَزَبَه أمر الولاية، وشجنه حالها، أن يولي تلك البقعة التي تعاني من ضراعة الجانب، ووضاعة الشأن، كريم اهتمامه، وأن يصدر معاليه أوامره الحانية بإرسال الكوادر الطبية إلى أصل الدولة، ومعقل الحكم الخرطوم، حتى لا يشخّصوا إلا عن علم، ولا يبتوا إلا عن دراية، وأن تتضافر الجهود حتى يكتمل ذلك السياج الذي يقي المرضى من كل هائمة وسابلة، وأن يستفرغ المعنيون بأمر الصحة الوسع لمحاربة العلل المستوطنة، والتي أضحت في عداد الماضي، على شاكلة الملاريا التي أرهقت انسان الولاية، والملاريا لا تجد جداراً تتكئ عليه، أو ملاذاً تحتمي به سوى البرك، فالبرك آفة يجب أن تمحق، وجرثومة يجب أن تُستأصل، وأن يوسع عنبر الباطنية نساء حتى يفي بالعدد المهول من النساء اللائي عمدهن الداء، وعلزهن الإعياء. لقد قاسى انسان الولاية معرة الظلم، وكابد مذلة الحرمان، وعانى من الجهل والفقر والمرض، وآن الأوان لطفرة تقصيه من كل تلك النوازل، فهل يتحقق ذلك في عهدك سيادة اللواء.