{ قضية المناصير الآن تقف على ثلاثة أصعدة هي البرلمان وحكومة ولاية نهر النيل وميزانية العام «2012م».. حيث أشعلت النائبة البرلمانية عائشة الغبشاوي ثورة حقوقية داخل البرلمان لصالح قضية مطالب المناصير أصحاب الحق المحلي الذين قيل إن أكثر من ألف أسرة منهم تخلَّت عن البقاء حول البحيرة وتوجَّهت إلى المنطقة البديلة.. وقالت عائشة «إن قضية المناصير مسؤولية على النواب أمام الله».. لكن المعلوم أن قراراً صدر عن رئيس الجمهورية بتنفيذ مطالب أصحاب الخيار المحلي، والنواب ليسوا هم الجهة المنوط بها تنفيذ القرار الرئاسي، وإن دورهم في هذا الأمر وغيره يقف عند حد تقديم الاقتراحات.. وحتى هذه الاقتراحات بعد قرار الرئيس تكون لجهة كيفية وضع آليات تنفيذ القرار.. وإذا كان المفترض في البرلمان أن يقدم اقتراح تضمين مطالب المناصير في الميزانية الجديدة باعتبار أنه جهاز تفكير وليس تنفيذ أي «مؤسسة نظريات لإنتاج الحلول»، فهذا لم يحدث به بل جاء من حزب المؤتمر الوطني حسب ما كشف أحد قادته وهو الدكتور قطبي المهدي حيث قال: «إن مطالب المناصير مضمنة في ميزانية العام 2012م».. وبهذا يكون أفضل صعيد تقف عليه قضية المناصير الآن هو صعيد الحزب الحاكم.. أما الصعيد الثالث وهو صعيد حكومة نهر النيل، فكان من الطبيعي ألا يكون الأفضل لاعتبار أن ساحة الاعتصام أمام مقرها، وهذا لا بد من أن يجلب التوتر للسادة أعضاء الحكومة هناك.. فقد قال وزير التربية بحكومة نهر النيل السيد كمال إبراهيم: «نطالب المناصير بفض الاعتصام؛ لأن الحكومة لا يمكن أن تعمل ويدها ملوية».. انتهى.. والسؤال هنا بالطبع هو: لماذا لم تعمل الحكومة قبل الاعتصام وبعد صدور قرار الرئيس أيها السيد الوزير الولائي؟!. 30% لم تحققها حكومة نهر النيل من مطالب أصحاب الخيار المحلي بعد صدور قرار الرئيس بتنفيذها حتى جاء الاعتصام، فما معنى أن يُفضّ هذا الاعتصام لتحقيقها دون «لي يد الحكومة»؟!. هل في اعتقاد المناصير أصحاب الشأن أن مطالبهم كان يمكن تنفيذها قبل الاعتصام؟! إذن السيد الوزير بحكومة الدامر قد جانبه التوفيق في فض الاعتصام بأسلوب سياسي بارع مع إنه «وزير التربية».. وهي وزارة يفترض أن يميِّزها عن غيرها البراعة والإبداع.. إن الإبداع الذي يتطلبه عمل لجنة معالجة ملف المناصير الحكومة الولائية التي يرأسها وزير التربية يكون أساساً بإطلاق التصريحات التي من شأنها تنفيس الاحتقانات وليس زيادة حدتها.. حديث النائبة البرلمانية عائشة الغبشاوي رغم ضعف انسجامه مع واقع القضية وما يحيط بها من ظروف إلا إنه يصب في اتجاه النيّة لمناصرة المناصير ونرجو أن يكون دواءً لما تسبَّب فيه تصريح وزير التربية ورئيس لجنة المعالجة كمال إبراهيم.. اسمها لجنة المعالجة وليست لجنة الإصابات، لكنها تصيب النفوس وتُوغر الصدور وسط المعتصمين. وتأتي تصريحات معالجة النفوس من البرلمان.. المؤتمر الوطني كان مبدعاً وهو يكشف على لسان أحد قادته من مركزه العام تضمين مطالب المناصير في ميزانية «2012م».. ولعل هذا هو مربط الفرس في تجنيب القضية السير في طريق «غير وطني».. وفي نفس الوقت حلها بطريقة جذرية في مناخ «ربيع المناصير».. ثم إن المناصير يحتاجون في هذا الوقت من حكومة ولايتهم لحكمة: «إذا لم يسعد الحال فليسعد النطق».. على حكومة الدامر النطق الجميل أو الصمت النبيل عن الاعتصام الذي اخضرّ وأزهر وينتظر أهله الثمار من الميزانية الجديدة. الترابي أم البشير؟ بعيداً جداً عن الحقيقة يقول القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل الدكتور علي السيّد إن الترابي أخطأ في عام 1989م إلا إنه عاد ورجع عن أخطائه.. يريد بقوله: إنه شارك في حركة التغيير الدستوري عام 1989م، لكنه عاد ورجع عن أخطائه أي أعلن توبة سياسية بعد قرارات الرابع من رمضان عام 1999م.. طبعاً لولا قرارات الرابع من رمضان لما تهيأت الفرصة للترابي لإعلان التوبة السياسية من المشاركة في التغيير الذي استبق محاولات تغيير كان يُعد لها، ومنها ما استأنفت المحاولة بعد حركة 30 يونيو 1989م بقيادة اللواء عثمان بلول واللواء خالد الزين واللواء عبد القادر الكدرو والعميد طيار محمد عثمان حامد كرار.وهذه العودة والرجوع عن الأخطاء لم يستبق صدور قرارات الرابع من رمضان التي ستظل نبراساً مضيئاً في مسيرة الإنقاذ يهدي إلى الرشد السياسي وينير الطريق لأولي الألباب.. والآن بالإمكان ما يجعل الترابي يتراجع عن العودة عن الرجوع والأخطاء، وهو إعادته بدون انتخابات طبعًا لرئاسة السلطة التشريعية ليكون قريباً «بها» من أبواب القصر الجمهوري.. كانت مشاركة الترابي في انقلاب البشير كرد فعل لفضّ حكومة الوفاق الوطني التي كان فيها نائبًا لرئيس الحكومة ووزيرًا للخارجية، وما وقف وراء دفع رئيس الحكومة الصادق المهدي لإبعاد حزب الترابي «الجبهة الإسلامية القومية» كان معروفًا.. كان الترابي يفهم أن رئيس الوزراء المنتخب ليست له القدرة على التفكير في وضع آليات وأدوات لحماية النظام الديمقراطي الذي كانت تحيط به الظروف الأمنية والاقتصادية السيئة.. لكن مَن الذي أخطأ حقًا هل هو الترابي أم البشير؟!. إن البشير هو الذي عاد ورجع عن أخطائه في عام 1999م من خلال إصدار قرارات الرابع من رمضان.. وندعو الدكتور علي السيد أن ينظر إلى الوراء ويعقد مقارنة بين فترة ما قبل هذه القرارات وما بعدها ثم نسأله مَن الذي أخطأ ورجع عن الخطأ الترابي أم البشير؟! هذا هو السؤال الأول في «المعادلة السياسية».. ولا تنسوا تهمة الإرهاب والعقوبات وصواريخ كروز. ثم يقول الدكتور علي السيد أيضًا إن الترابي أقرب إلى إسلاميي الربيع العربي، وإن أهل الإنقاذ «بدون الترابي طبعاً» أقرب إلى حماس ونظام شيعة إيران. يبدو أن قيمة هذا الكلام الغريب هي أن السودان يصلح كمنطقة امتداد للربيع العربي.. الربيع العربي الذي اكتسح حكم عملاء الغرب زين العابدين بن علي ومبارك والقذافي.. فهل الحكومة السودانية عميلة للغرب حتى يستلهم أغلبية المواطنين عُمّار المساجد حالة الربيع العربي؟!.. اللهم إلا أن يخرج العملاء من السفارات الأجنبية كما خرجوا يوم 21 أكتوبر 1964م وسفكوا دم القرشي ليكون كبش فداء للتآمر ضد عبود الذي أوشك على حسم التمرد في الجنوب. ثم لماذا التشبيه بحركة حماس في مقام الذم؟!. ما هي جريمة حماس؟!. هل هي مقاومة الاحتلال؟!.. إن حماس ليست لها أجندة على الأرض الفلسطينية المحتلة قبل دحر الاحتلال غير مقاومة الاحتلال.. هل يستوي عندك أهل المقاومة والمستوطنون اليهود؟!. لا نسألك أيهما على حق.. أما نظام شيعة إيران فلا تعليق، ونحن نرى الترابي يقول ذات يوم: «لا توجد دولة إسلامية في العالم سوى إيران».. ماذا يكون تعليقك على هذا التصريح؟!. إن ما يقوله علي السيد لا يحمل سوى قيمة كيدية لحكم مرَّ بمرحلتين أسوأهما قبل الرابع من رمضان المجيد.