جميل جداً أن تنتشر في الخرطوم منتديات فنية وهي ملاذ المغترب مثلي ضاق ذرعاً بموسيقا البوب والآر إم بي وجميل جداً أن تستمع بعد غياب لأغاني الحقيبة الرصينة الكلمة والصنعة وأغاني التراث، وكم طربت أذني لأغنية الراحل المقيم خلف الله حمد «الكان داك» وكنت في صباي أنطقها خطأ «الكنداكة» مما يغيِّر معناها كلياً فشتان ما بين المرأة المتكندكة بالرماد والمرأة التي تنوح بذكرى والدها الكان داك «أبوي البعصر جناي أبوي الإيدو عطايا وأبوي مرواد العمايا» جميلة هي مفردة المرواد والتي حلت محلها الماسكرا وأكيد ضاعت هذه المفردة عند الجيل الجديد وخاصة جيل الشهادة العربية وشهادة لندن كما ضاع «العتود» وقد سُئلت إحداهن «بتعرفي العتود فأجابت: هو قال بعرفني» وكم كانت سعادتي عندما سألتُ إحدى البنات بإحدى القرى الطرفية شمال مدينة بحري عن «العتود» فكانت إجابتها الشافية: «العمبلوك!». عندما كنت في مدرسة حنتوب الثانوية أكرمنا الدكتور خليل عثمان بالعمل في العطلة الصيفية بمصنع النسيج بالخرطوم بحري وكانت «سلوى بوتيك» هي الواجهة التجارية للمصنع وأذكر وقتها أن أحد أهلنا من الشرق الحبيب قرأها «سروال أب تكة» وللسودانيين الكثير من التجارب.. وفي مطار القاهرة بسبب النطق الخاطئ للأسماء ولغرابة بعضها على الإخوة في مصر فقد سأل ضابط الجوازات الفنان الشعبي بابكر ود السافل: «اسمك إيه يا بيه» فأجابه الفنان: «ود السافل».. فرد المصري «ونت ابلان يا بيه». وسئل الدكتور الكبير أبّو حسن أبّو.. «أبّو حسن أبُو مين؟» فرد عليه الدكتور: «أبو جلمبو».. «ونده» موظف المطار على إحدى السيدات السودانيات واسمها ست المنى خير السيد.. ست المناخير السيد. نزلت من أحد الفنادق في القاهرة وكان عندي صداع حاد طلبت من صاحب البقالة «حبوب صداع»؛ ولأن الإسبيرين يحدث لي «حرقان» سألته هل هذه الحبوب من اسبيرن فقام بخطف الحبوب من يدي وقال مستنكراً: «دانت حتعملي فيها دكتور».. دكتور عبد الهادي عبد الجبار وهو ابن الأستاذ عبد الجبار مدير مدرسة حنتوب الثانوية في عهدنا «ابتلي بداء إنجاب أطفاله في الغربة مثلنا» وحرصاً منه على تعليمهم اللغة العربية في عطلتهم بالسودان حذَّر ابنته وعمرها «12» عاماً بعدم الكلام بالإنجليزية في السودان واستشعاراً منها بوصية والدها ذهبت إلى البقالة وكانت تريد شراء (HOT DOG) «هوت دوغ» فسألت صاحب البقالة.. يا عمو عندكم كلب حار؟.. فأجاب في حيرة: «ولا بارد ذاتو ما عندنا» وتعرفت ابنتي سارة على صديقة لها في إحدى زياراتها للوطن واسمها تماضر فكانت تناديها طماطم وكانت سعيدة لذهابها في رحلة عائلية إلى جبل أولياء وأطلقت عليه جبل لولو، أقامت الجالية السودانية بلندن حفل تأبين للراحل المقيم الفنان زيدان إبراهيم حرصوا على تجميل قاعة التأبين بصورة أُخذت من الإنترنت جلس بجواري أحد الشباب المولودين بلندن وسألني: «دي صورة العريس» ترحمت حينها على الفنان زيدان ودعوت للسائل بأن يرد الله غربته.