الكثير مما تناولناهُ في هذا العمود من قضايا، يمِتُّ بسببٍ إلى «وزارة العمل»، التي تولَّى أمرها في التشكيل الوزاري الجديد الأخ د. فرح مصطفى عبد الله، الذي نسأل الله أن يُعينَهُ على تلافي أوجه الخلل المريع الذي تحدثنا عنهُ موثقاً من قبل، أكثر من مرة في هذه المساحة. وللتذكير فقط، نذكُرُ حكاية «الشهادات المزورة» التي ذكرها الأخ مدير الصندوق القومي للتأمين الصحي، السابق، في حديثٍ مطول إلينا، والتي أكد لنا حينها أن إدارته تعاملت مع المزورين ب«التسويات» التي لم تتجاوز خفض درجاتهم الوظيفية أو تخييرهم في الاستقالة إن لم يرضوا!! التزوير في وثائق رسمية، يا سيدي، جريمةٌ خطيرة، وحين تكون هذه الوثائق الرسمية شهادات دراسية، ينالُ بها المزوِّرُ وظيفةً لا يستحقها وغير مؤهلٍ أصلاً لشغلها، وحين تتغاضى عن ذلك الإدارة التي ينتمي إليها، أو إن هي أبرزت أنيابها تعالجها بتسويات إدارية، دون أن تُحيل المزور ومن أعانوه على التزوير إلى القضاء، فإن الأمر يبدو مزعجاً جداً، على مستقبل الخدمة العامة بالبلاد، ويبدُو بحاجةٍ إلى إجراءاتٍ ناجزة من قبل وزارة العمل. وتحدثنا عن ذلك الصندوق الآخر، الذي قام أمينه العام بفصل بضعة عشر من الخبراء، كلهم جامعيون وذوو خبرة تم تأهيلهم وتدريبهم على نفقة الدولة، ليعين عدداً أكبر منهم، من حملة مؤهلات بعضها شهادة أساس، وبعضُهم راسبٌ في الشهادة السودانية «ورغم ذلك يحملُ دبلوماً وسيطاً من إحدى الجامعات!! هذه المعلومة نضعها بين يدي الأخ وزير التعليم العالي بالحكومة الجديدة» وبعضهم حملة شهادة سودانية «بنجاح»، وبعضهم حملة دبلومات وسيطة ، و أكثر من واحدٍ منهم تربطه صلة قرابة بالمسؤول الأول !!.. أليس أمراً مثيراً للخوف على مستقبل الخدمة العامة أن يحدث مثل هذا؟ أليس مزعجاً أن يشغل إحدى الوظائف القيادية في مؤسسة عامة شخصٌ راسبٌ في الشهادة السودانية « وحتى لا يظنَّ ظانٌّ أنه من أصحاب الخبرات المتراكمة، أكدنا ونعيد التأكيد، أنه لا شأن لهُ أصلاً ولا علاقة لهُ بالوظيفة التي لم يتجاوز ثلاث سنوات فيها»!! كتبنا، أيضاً، أكثر من خمس مرات عن ظاهرةٍ فريدة، تمثلت في مدير تنفيذي بإحدى محلياتنا الكبرى، الذي يملك شهادة ميلاد تؤكد أنه ولد في العام 1947م، ولكنهُ جاءهم بشهادات تقدير عمر تتراوح بين الأعوام 49 1952م ، على التوالي، كلما أبلغتهُ وزارة العمل بلوغه سن التقاعد ذهب وجاء بما يفيد أنه يبلغ السن القانونية العام القادم «إن شاء الله»، وقد نشرنا في هذه المساحة تفاصيل شهادة ميلاد الرجل الأصلية، وتفاصيل بعض شهادات تقديرالعمر المختلقة، كما نشرنا نص آخر خطاب صادر من وزارة العمل ، تتوسَّلُ فيه توسُّلاً إلى الرجُل أن يتقاعد، فكان سيدي وزير العمل أن ضرب بخطاب وزارة العمل عرض الحائط، وما يزالُ حتى الساعة في موقعه، لم يسألهُ ابن أنثى عن وقائع تزوير الشهادات، ولا سأله رجلٌ عن تجاهله خطاب وزارة العمل، و لم يسألهُ، ولم يسأل المعتمد، أحدٌ: لماذا تم نقل المستشار القانوني للمحلية بعيداً بمجرد أن كتب تقريرهُ بضرورة تقاعد المدير التنفيذي؟؟ ولا بُدَّ لوزارة العمل، أخي الوزير، أن تنظُر في مشكلة الموظفين الشماليين بالجنوب، والبالغ عددهم خمسة وعشرون ألفاً، والذين كان كل منطق يقتضي أن تتم إعادة تعيينهم بالشمال، بعد أن تم تسريح الإخوة الجنوبيين العاملين بالشمال ومنحهم كامل مستحقاتهم.. صحيح حسب إفادة عدد من أولئك الموظفين الشماليين بالجنوب أنهُ لم يقل لهم أحد: إذهبوا، ولكن معظمهم تركُوا الجنوب، مع ذلك، بعضُهم بدافع «الكرامة»، وبعضُهم بدافع الحال الأمنية هناك، غير الباعثة على الطمأنينة، هؤلاءِ يجب ألا يكونُوا ضحايا لانفصال الجنوب. أخي الوزير، أسألُ الله أن يُعينك على «ذبح» المحسوبية في الخدمة العامَّة، فإنها أُسُّ البلاء.