الأطماع الصهيونية في السودان ليست وليدة اليوم أو الأمس، وإنما ترجع إلى خمسينات القرن الماضي، حيث ظل الكِيان الصهيوني منذ ذلك الوقت يسعى إلى إيجاد موطِئ قدم له في تلك البقعة الإستراتيجية، حيث الثروات الطبيعية، والموقع الجغرافي المتميز، كمنطقة تتيح له محاصرةَ الدول العربية المجاوِرة لها. ويبدو أنَّ المخطَّطات الإسرائيليَّة في السودان، أوشكَتْ أن تجدَ ترجمةً لها على أرض الواقع، بانفصالُ الجنوب السوداني عن شَماله؛ ليشكل ذلك فرصةً ذهبية لإسرائيل، الطامِعة في تقسيم الدول العربية إلى دويلاتٍ صغيرة متناحِرة، يسهل معها إحكامَ السيطرة عليها والأطماع الإسرائيلية في مياه النيل وموارد القارة الأفريقية ليست جديدة فالدولة العبرية لجأت منذ سنوات إلى تعزيز علاقتها بعدد كبير من البلدان الأفريقية حتى باتت تشكل حديقة خلفية لإسرائيل،وتحتل الموارد الطبيعية الهائلة التي تختزنها بلدان القارة سلم الأولويات الإسرائيلية في القارة السمراء إلى جانب الملف الأمني. وتفيد تقديرات اسرائيلية تعود إلى فترة الخمسينيات من القرن الماضي مرتبطة بوضع السودان بأنه يجب ألّا يُسمح للسودان بأن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي، لأنه يزخر بمواردكبيرة اذا استُثمرت في ظل أوضاع مستقرة فستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب. وفي ضوء هذه التقديرات كان على إسرائيل أو الجهات ذات العلاقة أن تتجه إلى هذه الساحة، وتعمل على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة،حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة تصعب معالجتها في ما بعد لزعزعة الأمن والأستقرار فى السودان. وأن المتابع للساحة السياسية السودانية يمكنه أن يدرك بسهولة مدى ارتباط تطوراتها بما يحدث داخل الكيان الصهيوني،الذي وضع السودان على رأس قائمة استهدافاته،والتي بدت ملامحها في الوضوح بدعم اسرائيل للحركات الدرافورية المتمردة وأستقبالها لهم في اراضيها وتصعيد الرأي العام العالمي ضد السودان وذلك من خلال إشعالهم لقضية دارفور على المستوى الدولي،بجانب دعمها لدولة الجنوب لأشعال الحروب داخل السودان. لذا فإن انهيار السودان وتقسيمه يحقق ل"إسرائيل" الكثير من المكاسب سواء السياسية أو الاقتصادية، والتي تتمثل أساسًا في أطماع الكيان الصهيوني في ثروات السودان الطبيعية،وتلك المكاسب يمكن إجمالها في المحاور التالية: المحور السياسي تقسيم السودان من خلاله تستطيع "إسرائيل" كسر حلقة قوية من حلقات دعم المقاومة الفلسطينية، وهي السودان. فتورطه في صراعات داخلية تُشغله عن دعم المقاومة الفلسطينية، سواء كان دعمًا معنويًّا أو ماديًّا،كما أن إغراق السودان في تلك الصراعات سيسمح بالتغلغل المخابراتي الصهيوني إلى قلب الأراضي السودانية. المحور الاقتصادي بدأت الأطماع الصهيونية في الثروات الطبيعية للسودان في الظهور مع بروز الدور الصيني في القارة الإفريقية عمومًا،وفي السودان على وجه الخصوص،لاسيما بعد توقيع الصين لعدد من الصفقات والاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية مع حكومة الخرطوم تقدر بمليارات الدولارات،خاصة وأن منطقة جنوب السودان تتمتع بثروات نفطية ضخمة واعدة؛لذا فإن إقامة دولة جديدة مسيحية في جنوب السودان،والتي سبق لها وأن استعانت في الماضي ب"إسرائيل"، ستساعدها كثيرًا في حل مشكلة النقص في مجال الطاقة الذي تعاني منه دومًا ،إضافةً إلى ذلك فإن إقامة دولة في جنوب السودان على علاقات قوية مع "إسرائيل" سيفتح الباب أمام تل أبيب للحصول على مياه نهر النيل وتزيد من فرض سيطرتها عليها،عبر بناء المزيد من السدود وإقامة المشروعات المائية، كما سبق وأن فعلت في إثيوبيا؛ لتكون ورقة جديدة تلاعب بها دول المنطقة لتضييق الخناق عليها لابتزازها سياسيًّا واقتصاديًّا. المحور الأمني فلدى "إسرائيل" في منطقة القرن الإفريقي وحوض النيل وهي الدول المجاورة للسودان، مصالح أمنية وعسكرية من خلال صفقات بيع الأسلحة التي تدر مبالغ طائلة على الكيان الصهيوني، والتي تنعش خزينته السنوية بمليارات الدولارات. وليس خافيًا على أحد الدعم العسكري الذي قدمته "إسرائيل" للمتمردين في جنوب السودان عبر إحدى الدول الإفريقية المجاورة، وبفضل أسرائيل تمكن جنوب السودان من تخزين كمية كبيرة من الأسلحة العسكرية المتطورة من دبابات وغيرها، وهي كمية كفيلة بأن تكسر معايير التوازن بين الجنوب والشمال، وأن هناك تدخلاً من جانب عناصر "إسرائيلية" في عدد كبير من صفقات الأسلحة لدولة جنوب السودان. علاقة اسرائيل بجنوب السودان يعود التاريخ الحقيقي لهذه العلاقة إلى عام 1967م،عندما عرض الجنرال جوزيف لاجو لونجا مؤسس حركة جنوب السودان على "إسرائيل" في ذاك الوقت استعداده لتقديم المساعدة لتل أبيب للحيلولة دون اشتراك الجيش السوداني مع الجيش المصري في محاربتها. وعلى الفور وجهت رئيسة الوزراء الصهيونية جولدا مائير الدعوة له لزيارة تل أبيب، وقامت بتكليف جيش الاحتلال بتدريب أتباعه، وزودتهم بالأسلحة التي يحتاجونها،ويبدو أن العبث الصهيوني في الساحة السودانية لم يتوقف عند هذا التاريخ، حيث اعترف الرئيس السابق للمخابرات العسكرية الصهيونية خلال تسليمه لمهام منصبه لخليفته، بدور "إسرائيل" الكبير في مساعدة الحركات الانفصالية بالجنوب السوداني، قائلاً :"لقد أنجزنا خلال السنوات الأربع والنصف الماضية كل المهام التي أوكلت إلينا، واستكملنا العديد منها،والتي بدأ فيها الذين سبقونا". وأضاف: "أنجزنا عملاً عظيمًا للغاية في السودان، نظمنا خط إيصال السلاح للقوى الانفصالية في جنوبه، ودربنا العديد منها، وقمنا أكثر من مرة بأعمال لوجستية لمساعدتهم، ونشرنا في الجنوب ودارفور شبكات رائعة قادرة على الاستمرار بالعمل إلى ما لا نهاية، ونشرف حاليًا على تنظيم "الحركة الشعبية" هناك، وشكلنا لهم جهازًا أمنيًّا استخباريًّا". مما تقدم ذكره يتضح ان تدخل اسرائيل ودعمها لأنفصال الجنوب ليس حباً فى شعب الجنوب أنما لخدمة مصالحها السياسية والأقتصادية والأمنية فى القارة الأفريقية ولمحاربة الأسلام والمسلمين وتضييق الخناق عليهم.