لعبت اسرائيل دوراً محورياً وكبيراً في فصل جنوب السودان، وسعت حثيثاً ليصبح الانفصال خياراً راجحاً لطي ملف قضية جنوب السودان ليس خدمةً لأهل الجنوب، بل لتحقيق مصالح اسرائيل السياسية والاستخباراتية في الشرق الأوسط الكبير الذي تخطط له ليكون واقعاً مفروضاً على الإقليم، بعد أن فرضت وجودها كأمر واقع في أرض فلسطين. وتاريخياً لم تكن زيارة الفريق سلفا كير رئيس حكومة جمهورية جنوب السودان نقطة تحول في تلك العلاقات التي بدأت حسب الشواهد بطلب من الفريق جوزيف لاقو زعيم قوات الانانيا الاولى الذي وعد الاسرائيليين بمقدرته على منع الجيش السوداني من تقديم اي عون للجيش المصري في حربه ضد اسرائيل. والشاهد ايضاً ان المدد والدعم الاسرائيلي لجنوب السودان منذ العام (1967م) لم يخدم شعب الجنوب، كما لم يرجح الدعم العسكري كفة مقاتلي الانانيا أو الجيش الشعبي لاحقاً. ومقارنة بالدعم العربي في تلك الفترة فهو كبير، فقد اشتهر سفير دولة الكويت الراحل عبد الله السريع بعبد الله جوبا نسبة للدعم المقدر الذي قدمته الكويت بتشييدها لكل مباني المرافق العامة في جوبا. وفي حديث ل (الرأي العام) مع أتيم قرنق القيادي بالحركة الشعبية عن علاقة جوبا بتل أبيب حال رجح الاستفتاء خيار الانفصال قال (ان دولة الجنوب لن تستفيد من علاقتها مع إسرائيل، لجهة أن إسرائيل دولة فقيرة وتعتمد على المعونات الأمريكية وبالتالي لن تقدم شيئاً ذا فائدة للجنوب، وذهب اتيم الى ان التكنولوجيا في إسرائيل وكل اساليب الحياة ونمطها قائم على الحرب بما في ذلك دراسة الطب، لذا وحسب أتيم أن أي تعاون لن يكون مفيدا لجهة ان دولة الجنوب لا تريد العودة الى مربع الحرب مع اية جهة كانت، وان الحديث عن علاقة جوبا بتل ابيب لن يخرج من الاطار النفسي). وبالتالي تصبح العلاقة بين جوبا وإسرائيل موجهة في المقام الاول إلى تحقيق طموحات اسرائيل في قضيتها الكبرى (الصراع العربي والإسلامي الإسرائيلي)، باعتبار أن الحوار الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين قائم على القبول بالدولة اليهودية، الذي عضضه الرئيس اوباما في خطابه. وقد قال ألون لينيل المدير السابق لوزارة الخارجية الإسرائيلية ان الاسرائيليين سيرقصون في الشارع حال صوتت دولة جنوب السودان ضد قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأممالمتحدة، وهذا يفسر اعتراف اسرائيل السريع بدولة الجنوب في إطار سعي إسرائيل لضمان تصويت ما يزيد عن ثلاثين دولة بالجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قيام دولة فلسطين. والامر الآخر لتلك العلاقة متعلق بإضعاف الخرطوم صاحبة اللاءات الثلاثة في مؤتمر قمة الخرطوم الشهير في العام (1967م) وتوسعت مساعدات الون وآماله الى دارفور، وقال: نشرنا في الجنوب ودارفور شبكات رائعة وقادرة على الاستمرار بالعمل الى ما لا نهاية في ملف دارفو ويعني ان اسرائيل لن تعدم حيلة لدعم أي عمل يعكنن على الخرطوم في ظل رفض من حاملي السلاح الانضمام لوثيقة الدوحة والاعلان عن تكوين الجبهة الثورية، في ظل قبول دولة جنوب السودان لاستقبال واستيعاب لاجئين افارقة لجأوا الى اسرائيل في إطار التخلص من هموم اللجوء في ظل رفض اسرائيل لمعالجة ملف اللجوء حسب المعايير الدولية وتصير على تسميتهم بالمتسللين الافارقة، وهذا القبول أراحها من بناء معسكرات اللجوء المزمع قيامها جنوب اسرائيل، وطوال الاشهر الخمسة التي هي عمر دولة الجنوب الوليدة دفعت اسرائيل بلغ (500) دولار لأي لاجئ من جمهورية جنوب السودان مقابل العودة الى بلاده وحسب داني دانون عضو الكينست ان ما بين مائة الى اربعمائة لاجئ جنوبى عادوا في اطار هذا الاتفاق. وتشير احصاءات اسرائيل الى وجود خمسين الف متسلل باراضيها وقد قبلت دولة جنوب السودان باستيعاب عشرة آلاف مهم، وهذا واحد من انجازات حكومة نتنياهو التي تصفها اسرائيل بالعظيمة ويجعل من جمهورية جنوب السودان حديقة خلفية لاسرائيل. واعتبر مراقبون أن زيارة سلفا كير لتل أبيب خطوة لخلق قاعدة عسكرية لاسرائيل في الجنوب لخدمة مصالح اسرائيل في افريقيا، التي على رأسها أمن اسرائيل الذي يمتد بامتداد طموحها الأمنية لا حدودها الجغرافية، وهذا يتوافق مع حديث ألون المطلق عن سعي اسرائيل لدعم انفصال الجنوب وإقامة دولة صديقة لها لزيادة نفوذها في القارة الأفريقية واستخدامها كورقة مهمة بكل ما يتعلق بعلاقتها مع مصر التي تعد منابع النيل مسألة استراتيجية. وإسرائيل طوال علاقتها مع أية دولة لم تقدم اية خدمة بقدر ما تحقق مآربها أولاً ولن تقدم دعماً إلا لإثارة المشاكل لذا اختار الراحل جون قرنق القرب من الدول العربية لإدراكه لخطورة شراكة مع تل ابيب.