من يعتقد أن ذهنية الغابة التي لازمت حكومة دولة الجنوب الوليدة عبر الحقب ستزول بمجرد نَيل الوحدة وتشكيل حكومة فهو واهم. فهؤلاء قد ترعرعوا على حياة الغابة فضلاً عن أن المستعمِر الإنجليزي قد أرضعهم الأحقاد على الشمال فظلت دفينة في دواخلهم من الصعب أن تمحوها قلَّة من السنين ليس هذا فحسب وإنما أتى المبشرون «المنفِّرون» ليزيدوا الطين بلة، ولهذا فإن نظام عبود خطَّط لإبعاد هؤلاء المبشرين، ومن هنا كما قيل تفجَّرت حركة الأنانيا، وقبلها في العام 1955م حدثت مذبحة توريت الشهيرة التي خلّفت مأساة طويلة بطول تاريخها حيث إنها لم تُنسَ حتى اليوم؛ لأنها كانت من البشاعة التي لا يقبلها بنو الإنسان مهما كانت قسوة قلوبهم. وإن الأدهى والأمرّ أن أبناء هذه الدولة الوليدة ما زالوا يحتفلون بذكراها حتى اليوم وهو ما حدث قبل عدة أشهر. نأتي بعد هذه المقدِّمة التي لا بدَّ منها إلى مسألة رسوم تصدير النفط التي لا تريد حكومة الدولة الوليدة اتفاقًا حولها.. وهذا ليس بمستغرب فهو جزء من شخصيتها المجبولة على الخداع والتآمر على الشمال. وهذا الذي يتعلّق بالنفط يعيدنا إلى بنود نيفاشا التي كان ينبغي أن تُنفَّذ قبل الاستفتاء وظلت معلَّقة حتى اليوم بسبب مراوغة الحركة الشعبية المقصودة لتشعل بها نيران الفتنة بعد الانفصال وحتى لا تعطي الشمال حقه المشروع. ونحن كعادتنا كنا كرماء مع من لا يستحق ثم ظللنا على كرمنا فيما يتعلق بالنفط فوقع «الفأس» مرة أخرى في الرأس. وهذا ما نشهده هذه الأيام من مماحكات وهروب من دولة الجنوب حتى لا يتم الاتفاق على رسوم عبور نفطها حتى قاربت جملتها المليار دولار. والشيء المؤكد أنهم لا يريدون أن يدفعوا ما عليهم للسودان ظناً منهم أن السودان ما زال على كرمه معهم وكأنهم لا يزالون جزءاً منه أو أنها صفة الظلم التي أصبحت ملازمة لهم تجاه الشمال. وما يؤكد ذلك أن الدولة الوليدة وضعت على رأس وفدها المفاوض للوفد السوداني في أديس أبابا كبير الحاقدين على الشمال باقان أموم وهو قد عُرِف بهذه الصفة حيث إنه ينضح حقداً على السودان ولطالما تردَّد على سيدته أمريكا ليس لبناء وتنمية جنوبه وإنما لتحريضها المرة تلو الأخرى على السودان مستهدِفاً تدميره رغم أنه قد أحسن إليهم أيما إحسان وتجاوز الكثير ليتم الاستفتاء دون تعويق ويتم الانفصال في يسر ويتوّج ذلك بأول اعتراف بالدولة الوليدة العدو. هامش: قال الشاعر الفيتوري: الغافل من ظن الأشياء.. هي الأشياء