لم يتجاوز صالح المطلق، نائب رئيس الوزراء العراقي الحقيقة عندما قال لمحطة «سي أن أن» الأمريكية إن نوري «المالكي ديكتاتور أكبر من صدام حسين، لكون صدام كان يبني، أما هو فلم يقم بشيء». وجاءت ردة فعل المالكي على كلام المطلق دليلاً واضحاً على دكتاتوريته، إذ طالب البرلمان في رسالة رسمية بسحب الثقة من المطلق، مع أننا إزاء تصريحات سياسية لا تستحق أكثر من بيان سياسي يتلوه أحد مستشاري المالكي «وما أكثرهم». والحال أن حدة المالكي في الرد على تصريحات المطلق لا تعدو أن تكون مؤشرًا على غرور القوة الذي يتلبسه بعد الانسحاب الأمريكي من العراق، والذي لم يتوقف عند حدود طلب سحب الثقة من نائبه، بل تجاوزه إلى إصدار مذكرة اعتقال بحق نائب الرئيس العراقي «طارق الهاشمي» بحجة التورُّط في تفجير استهدف البرلمان العراقي، مع إدراك المالكي لحقيقة أن الهاشمي لا يمكن أن يتورط في أمر كهذا، حتى لو كانت لبعض مرافقيه صلة بالأمر، مع العلم أن مثل هذه التهمة سبق أن تكررت في عمليات استهداف مبرمجة للعديد من رموز السنة خلال مراحل سابقة، أحياناً بسبب تواصل بعض مرافقيهم مع قوى المقاومة بهذا الشكل أو ذاك من دون علم مسؤوليهم، فيما يعلم الجميع أن حكاية الاعترافات المسجلة للمعتقلين ليست ذات قيمة من الناحية القضائية في أنظمة أمنية تمارس التعذيب بشكل منهجي. كانت القائمة العراقية التي تمثل العرب السنة من الناحية العملية قد علّقت مشاركتها في جلسات البرلمان ردا على التهميش الذي تتعرّض له من قبل حكومة المالكي، الأمر الذي يشير إلى عمق الأزمة التي تعيشها البلاد، والتي دفعت العديد من رموز العرب السنة إلى التفكير الجدي في المطالبة بأقاليم لمناطق السنة «بدأ بذلك مجلس محافظة صلاح الدين»، في خطوة لا تخلو من رائحة الرغبة في الانفصال، الأمر الذي لا يمكن النظر إليه خارج مشاعر التهميش التي تعيشها الفئة المذكورة، والتي تدفع قطاعات كبيرة من أبنائها إلى تأييد مثل تلك الخطوة. وفي حين كان أوباما يصف المالكي بأنه زعيم منتخب للعراق للإيحاء بأن الغزو قد أنتج ديمقراطية في العراق، وفي محاولة مكشوفة للتستر على بؤس الهزيمة التي تعرضت لها بلاده، فإن الرئيس الأمريكي يدرك تماماً أنه قد سلم العراق «تسليم مفتاح» لإيران وحلفائها، فيما يدرك أيضا أن الديمقراطية في العراق ديمقراطية زائفة بامتياز، لأن وجود ديمقراطية برلمانية لن يخفي خضوع البلد لسطوة أمنية وعسكرية من طرف واحد، بينما يغيب الطرف الثاني، لاسيما أن الأكراد يعيشون ما يشبه الاستقلال. هذا الوضع هو الذي دفع العرب السنة نحو تبني خيارات الانفصال، بينما يعلم الجميع أنهم هم الذين رفضوا مبدأ الفيدرالية في الدستور الذي أصرّت عليه القوى الشيعية، أما اليوم فيرفض المالكي أية مطالب بتطبيق بند الأقاليم، وبالطبع بعدما أيقن أن البلد برمته قد بات رهن يديه بسيطرة شبه مطلقة على المؤسسة الأمنية والعسكرية وسائر مفاصل الدولة، بينما لا تعدو مشاركة العرب السنة شكلاً من أشكال الديكور لا أكثر، بما في ذلك الوزارات التي يتولون حقائبها، والنتيجة أنهم يشاركون عملياً في البرلمان والحكومة من دون مشاركة حقيقية في السلطة، الأمر الذي ينبغي أن يردوا عليه بحراك شعبي يستلهم الربيع العربي، وبمواقف رجولية من ممثليهم. وفي حين يمكن تفسير الموقف العراقي «موقف حكومة المالكي» من الثورة السورية بوصفه امتدادًا للموقف الإيراني «حظيت جهوده بمباركة أمريكية!!»، فإن الجميع يدرك أنه موقف يتعلق أيضاً بخوف المالكي ومن ورائه القوى الشيعية من تأثيرات سقوط نظام الأسد على الوضع في العراق، أعني لجهة تقوية الفريق الضعيف فيه ممثلاً في العرب السنة في ظل استقلالية الأكراد من الناحية العملية. في ضوء ذلك كله يمكن القول إن مستقبل الوضع في العراق سيكون مرتبطاً بتأثيرات المعركة في سوريا، وبالضرورة تطورات الملف النووي الإيراني وعموم النفوذ الإيراني في المنطقة، ولما كان من شبه المستحيل بقاء الوضع على حاله في سوريا، فإن دكتاتورية المالكي لن تدوم طويلاً، فإما عراق موحد لكل أبنائه دون إقصاء أو تهميش، وإما الانفصال أو الحرب الأهلية التي تتعب الجميع وتدفعهم نحو التفاهم على أسس للعيش المشترك كجزء من منظومة جديدة في المنطقة تعلي من شأن الإنسان وحق المواطنة بصرف النظر عن الانتماء العرقي أو الطائفي.