أما الجزء الثاني من هذه الاتفاقية الجهلاء فيتكون من «3» مواد ويتعلق بالحقوق السياسية للمرأة.. ولنا أن نتصور أن الله سبحانه وتعالى قد أنزل من الرسل والأنبياء وأوحى إليهم من الصحف والكتب أكثر مما يمكن أن تحيط به عقول البشر.. ومع ذلك بقي هناك ثغرات في المعرفة الإنسانية تحتاج إلى ناشطات الأممالمتحدة وسحاقياتها ينعمن بدعم الوحي الإلهي فيما قصر فيه أو سها عنه أو أهمله! فيا سبحان الله! اقرأ هذه الاتفاقية بتمعُّن وتروٍّ وانظر جيداً فيها فستدرك أن هذه الاتفاقية لو كانت ديناً أو وحياً لكانت ديناً باطلاً ووحياً فاسداً ومخترعاً.. ولكنها قطعًا ليست ديناً بل مجرد أوراق وضعها بشر ومع ذلك جاءت بعبارات كلِّية وأحكام قطعية وأوامر نهائية وطقوس إلزامية ليس فيها أي قدر من التوسط ولا التسامح ولا احتمال الآخر بأي قدر من الأقدار.. وهذا هو بعينه الذي يوفر لهذه الاتفاقية قدراً من التفاهة والإسفاف لا يحتمله وجدان سوي ولا عقل ناضج ولا طبع سليم.. إن نصوص الاتفاقية تستخدم تعبيرات ومفردات «كل وجميع» وعلى قدم المساواة مع الرجل و«دون أي تمييز» وذلك كله بدون أي استثناء أو احتمال ترخص أو ضرورة مع أن نصوص الوحي السماوي تضع احتمالات الضرورة في نهاية كل نص إلا في القليل النادر. فمثلاً المادة «8» تنص على الآتي: «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للمرأة على قدم المساواة مع الرجل ودون أي تمييز فرصة تمثيل حكومتها على المستوى الدولي والاشتراك في أعمال المنظمات الدولية. إن هذه الاتفاقية لا تقبل ولا تكتفي ولا تتشرف بأن تكون رسالة خاتمة ومصدقة لما بين يديها من الرسالات السارية.. بل هي لا تقبل إلا أن تكون رسالة خاتمة ومكذبة لما بين يديها من الرسالات السماوية ومهيمنة عليها وآمرة وناهية فيما بين الأرض والسماء.. بلا معقِّب ولا ناصح ولا مشير. إن المشاركة في الحياة السياسية ليست بالأمر الذي يعالَج بهذه العموميات وهذه الكليات المتطرِّفة.. ولكنه أمر يخضع لضوابط كثيرة ومختلفة. إن الإسلام يفتح المشاركة في العمل السياسي على مصراعيها للجميع بدون تمييز ولكن في حدود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتقديم النصيحة والمشورة «والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم». هذا هو الحق الذي يتساوى فيه الجميع الراشدون منهم ولو كانت المشاركة فيه بالتصويت فلا مشاحة في الأمر.. إلا أن الإسلام يقيم المشاركة الأخرى في العملية السياسية والحياة العامة على الخصائص والمزايا والشروط وليست متاحة لجميع الرجال على قدم المساواة اعتماداً على التكوين البيولوجي وحده والذي تجعله الاتفاقية فيصلاً وحاكماً في حياة الناس لا حاكم سواه!! إن الولاية الكبرى لها شروط.. حتى إنها لتنحصر في فئة قليلة جداً.. فإذا أدخلنا النسب وهو سابع الشروط انحصرت في بضع مئات أو عشرات.. والولايات دونها أيضاً بالخصائص والمزايا.. بل إن أهل الاختيار أو الكلية الانتخابية.. ومن نسميهم نحن أهل الحل والعقد.. لهم شروط تقارب شروط أهل الولاية. إن بعض مطلوبات وأوامر وتعليمات الاتفاقية تصادم نصوصاً في الكتاب والسنة قطعية الدلالة تؤدي مخالفتها إلى الكفر.. ومع ذلك فإن الاتفاقية لا تأبه ولا تتوانى ولا تتصور أي وضع يوجب نظرًا مختلفاً أو معتدلاً أو مخفّفاً.. إن واضعي الاتفاقية ليس لهم دين.. وليس لهم إله يعبدونه فليسوا نصارى ولا يهوداً ولا وثنيين.. بل هم ملاحدة ودهريون بل لعلهم «لا أدريون» ولا يدركون مجرد كلمة دين أو مفردة إله.. وإلا لكانوا جعلوا اعتباراً لإرادة غير إرادتهم.. ولمشيئة غير مشيئتهم.. إن فكرة المحرم ليست واردة في أذهان سحاقيات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية اللائي وضعن سيداو.. ومن ظن أنني أسب وأشتم بتعبير سحاقيات فهو مخطئ فذلك وصف.. وهو وصف يتعارض جملة وتفصيلاً مع فكرة المحرم، والسحاق مرض وإثم أكبر وأخطر من الزنى.. لأن الزنى يعارض ويخالف الحكم الشرعي والقانون بينما السحاق يصادم الفطرة والتركيب والتكوين والناموس.. وناشطات الأممالمتحدة وإن لم يمارسن السحاق كلهنّ فعلى أقل تقدير فليس لهن ميزان شرعي أو إنساني يحكمن به على السحاق. فكيف يتصور أن يخطر ببالهنّ أن المرأة المسلمة لا يجوز لها أن تسافر ليوم ولبلد إلا في رفقة محرم؟ أليس هذا هو الكفر البواح؟! إن قوانين الأسرة في شريعة الإسلام أعدل وأحكم من كل الشرائع الوضعية.. ومواضيع الوصاية على الأطفال والجنسية والحضانة هي قضايا فرغ منها القانون الشرعي منذ مئات السنين ولا يمكن تبديلها وليست بحاجة إلى تعضيد ولا توكيد من الأممالمتحدة ولا هيئاتها ولا ناشطاتها.. إن قضايا الوطن والشعب والقبيلة ليست من معايير تحديد الجنسية.. هي معايير للتعارف والتآلف والتعامل.. والانتساب في الإسلام للأمة.. الأمة الواحدة.. لا للعرق ولا للعنصر ولا للجهة.. الجنسية لا تكون إلا بالدينونة.. وهو معنى شارد وبعيد عن متناول أخوات انجيلا كنق ورصيفاتهنّ من ناشزات مجتمعاتنا المستهدَفة والمبتلاة.. الجزء الثالث حقوق التعليم إن هذه الاتفاقية تحركها شهوة الهدم.. ويدفعها الحقد ويحركها الوهم الكاذب بالاستعلاء.. وهب أن كل ما تقوله الاتفاقية صحيح أو من الممكن أن يكون صحيحاً.. فهل يعني ذلك أن تلغي الاتفاقية كل فكر آخر إلا فكرها وكل فهم آخر إلا فهمها وترتضي أن تتعايش مع الآخر وتُلغيه إلغاءً تاماً؟ هل هذا هو آخر محصلات حضارة الديمقراطية وآخر ما انتهت إليه؟ إن الاتفاقية تجعل الذكر كالأنثي وتجعل الرجل كالمرأة والولد كالبنت والطفل كالطفلة والأب كالأم والزوج كالزوجة والطالب كالطالبة والموظف كالموظفة كأن الاتفاقية تظن أن الخالق سبحانه وتعالى عندما أراد أن يخلق النوع البشري جمع المادة في قدر كبير ووضعه على الموقد وطبخه وحرّكه وأنضجه ثم جعل يغرف غرفة ويزروها شمالاً وأخرى جنوباً وأخرى شرقاً وأخرى غرباً.. ثم لم يهتم بذكر ولا أنثى ولا رجل ولا امرأة ولا ولد ولا بنت.. إن طابخي هذه الاتفاقية الفجّة «النيئة» ينتسبون شكلاً إلى النصرانية واليهودية.. والعجيب أن آية «وليس الذكر كالأنثى» وردت على لسان السيدة مريم العذراء البتول «فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سمّيتها مريم» انظر إلى قوله «والله أعلم بما وضعت» كيف قدمه بين يدي اعتذارها «وليس الذكر كالأنثى». وجاءت هذه العبارة القرآنية في معرض الاعتذار بعدم الأهلية للوظيفة وهي وظيفة الانقطاع لخدمة الرب جل وعلا وهي للذكر لا للأنثى. ومع كل هذا جاءت نصوص الاتفاقية في باب حقوق التعليم ضاربة بهذا المعنى الشرعي الإنساني العقلي عرض الحائط وفتحت الباب على مصراعيه بل خلعته لتحصل الأنثى على ما يحصل عليه الذكر من التعليم والتدريس والتأهيل حتى ساوت بينهما في الألعاب الرياضية والتربية البدنية، والاتفاقية تسعى للقضاء على الأدوار النمطية من خلال البرامج التعليمية.. بل حتى التلمذة الصناعية والتدريب المهني.. تقول الاتفاقية في الديباجة: «عندما تلزم الاتفاقية الدول بالقضاء على التمييز ضد النساء في التربية فإنها لا تركز على إتاحة التعليم للإناث فحسب.. بل إنها تبحث في محتواه.. هذه النزعة الاستعلائية المشحونة بالغرور والكبر تسعى إلى حالة مدروسة ومحسوبة.. تقول الاتفاقية بعد أسطر: «القضاء على الأدوار النمطية وذلك بالتشجيع الفعال للتعليم المختلط وعن طريق مراجعة الكتب والبرامج المدرسية». إن القضاء على الأدوار النمطية هو القضاء على الإنسانية كلها وأهم الأدوار النمطية الحمل والإنجاب وهو دور أولي ولكنه يقتضي أدوارًا نمطية أخرى ثانوية مكملة له أما قبله فتهيئة له أو بعده فتحملاً لمسؤولياته ومتطلباته.. والثانوي من الأدوار متعلق بالصفات الأنثوية الحسية والمعنوية.. الزينة والنعومة والجمال ثم الحياء والأدب والحجاب والقرار «وقرن في بيوتكن» والاتفاقية تسعى إلى إضعاف الأدوار النمطية إن لم تكن الأولية فعلى أقل تقدير الأدوار الثانوية..