مما لا شك فيه أن كردفان إقليم مهم وله وضعه الإستراتيجي وأهميته بالنسبة للأمن القومي السوداني، كانت كردفان آمنة ومستقرة ولم يؤثر فيها تمرُّد أحد قادة النوبة وهو الراحل يوسف كوة بالقدر الذي يفكك كيان نسيجها الاجتماعي لكن كردفان أصابها ما أصابها، وطالتها عين الحسد، فأصبحت بعد قيام دولة الجنوب بؤرة للمتمردين يستهدفها كل من حمل السلاح مطالباً باستحقاقه السياسي والنصيب المزعوم في الثروة والمهضوم دائماً في الثقافة، إذ أن مشكلات السودان في غالبها الأعم اختلاف في الموروث الثقافي وظفته السياسة لخدمة مصالحها، فكانت كردفان محطة لهذه الأهواء الطائشة ليدفع مواطنها البسيط ثمن حروب لا يدري نهايتها، نقول هذا ونحن نطالع بالأمس تحركات قوات خليل في الأراضي الكردفانية مع العلم أن دهاة المحللين بشَّرونا بأن خليل ذاب وأن حركته تلاشت بغياب شمس نظام القذافي، ولكن التاريخ لم يسجل أبداً متمرِّدًا وصل بسلاحه لسدة السلطة الأيام تصدق نبؤة هؤلاء، فقد قُتل خليل في ودبندة وبغيابه ستتوارى واحدة من أهم الحركات المتمرِّدة التي كانت تشكل إزعاجاً للحكومة، وتخلق قدراً كبيراً من الزعزعة وعدم الاستقرار في دارفور وبعض مناطق كردفان، خليل تجرّأ من قبل ودخل أم درمان «ضحى» في تحدٍ سافر للقوات المسلحة وها هي القوات المسلحة ترد له الصاع صاعين وتكتب نهاية رجل أثار خروجه على الحكومة والمؤتمر جدلاً واسعاً لكونه كان أحد الملتزمين في الحركة الإسلامية والمجاهدين في الجنوب وهذا ما ألصق به تهمة ارتباطه بالمؤتمر الشعبي، فوَّت خليل على نفسه فرصة لسلام حقيقي مع الحكومة في الدوحة كانت ستجعله يدخل ليخدم قضية دارفور من داخل السلطة، لكن خليل فشل في قراءة مسرح التحوُّلات الإقليمية وإسقاطاتها ليس على حركته فحسب بل على قضية دارفور في مجملها، هذه التقديرات الخاطئة جعلته يتمادى بلا رؤية ويرتكب حماقات لا تعرفها المناورات السياسية، ومقتله في كردفان يؤكِّد أنه فقد البوصلة ولم يكن أمامه إلا أن يغامر مغامرة النهاية في محاولة لدخول أرض الجنوب واللحاق برفاقه، ومقتل خليل هو ضربة في العمق لتحالف كاودا ورسالة للذين حملوا السلاح أن زمان التساهل والترضيات قد ولَّى.