كتبت أمس الأول مقالاً متسائلاً تحت عنوان «أأيقاظ القوم أم نيام؟» وبمقتل المتمرد خليل إبراهيم نستطيع أن نقول: واستيقظ القوم وأن المعركة في طريقها إلى الحسم حيث قطعت الألسن المتلجلجة، وكذلك نقول شكراً للقوات المسلحة الباسلة، وشكراً للشعب السوداني ممثلاً في أهلنا بديار حمر ودارفور الذين لبوا النداء وتلاحموا مع القوات المسلحة صفاً بصف وطلقة بطلقة، ويبدو أن الشيخ معتصم ميرغني والي شمال كردفان في مهمة صعبة هذه الأيام في ظل الوضع الراهن، وقد تصاعدت أسهم ولايته في بورصة الأخبار والأجهزة الإعلامية بسبب ما تعرّضت له من اعتداءات قادها «خليل» وود «البليل» في طريقهم إلى جنوب السودان حتى لقوا حتفهم قبل الوصول إلى مبتغاهم، ومن غير المستغرب أن يصل الأمر هذا الحد نسبة للتراخي والتماهي الذي أغرى هؤلاء في التمادي ونهب ثروات المواطنين وإرهابهم وتجنيدهم قسراً في أبشع صور وحالات انتهاك حقوق الإنسان وهو يمثل وصمة عار في وجه أدعياء الإنسانية وحقوق الإنسان، ولكن حصحص الحق ووجد الظالم جزاءه وهو مصير محتوم ومكتوب لكل من تسول له نفسه الاعتداء على الآخرين. ماجرى في شمال كردفان وتحريك الأحداث على النحو الذي تابعناه أظهر الصورة الواقعية لمن يريد الحقيقة عارية، فقد تبيَّن أن «المحرَّش ما بكاتل» و«الما سيد وجعة» لا يستطيع الصمود في وجه العاصفة، هؤلاء المتمردون فعلاً في طريقهم إلى دولة الجنوب ووجدوا البلد هناك هملاً فغيّروا وجهتهم ونهبوا الأموال والممتلكات لأن المقام قد طاب لهم حتى ضاق بالناس الوضع فانفجروا من بعد مسالمة فكانت غضبة الحليم. ثم سؤال: كيف ينظر المركز لهذه المعركة ومآلاتها؟!! البرلمانيون ونواب الشعب نشهد لهم بتحركات خلال اليومين الماضيين مع كل الجهات لأجل احتواء ممارسات التمرد الذي عاث فساداً في «أرمل والدم جمد والزرنخ»، نهباً للأسواق وتدميراً لأبراج الاتصالات التي هي ملكاً للشعب قبل الحكومة إلى أن قُتل قائد المعتديين على يد القوات المسلحة غير أنني أتساءل فمن يعوض ما فقدته المنطقة في الاقتصاد والأرواح؟. نواب الشعب ينتظرهم جهداً أكبر في استنهاض الهمم حتى لا يتكرر الحدث والأسواق تُنهب نهاراً وتضرب النساء والأطفال وتبلغ القرصنة والانتهاك مداه بمناجم الذهب في مناطق «سكينجو» و«الوادي الأخضر» حيث يؤخذ الشباب قسراً ويدفع بهم للهلاك فمن قرية «أم خيرين» وحدها يجنِّد المتمردون وبالقوة شباباً تخرَّجوا للتوِّ في الجامعات وقد أغرتهم قروش الذهب فقادتهم إلى هذا المصير، أذكر منهم عبدالله محمد علي خريج جامعة الرباط الوطني وأبناء عمومته الهادي عبد الله محمد وإسماعيل آدم علي وإسماعيل أدومة وعددًا كبيرًا آخر تجاوز السبعمائة شخص، يحدث هذا والمعركة محتدمة والأخ معتصم يقول ل «أخبار اليوم» في تصريح أحسب أنه كان غير موفق فيه حيث قال: «إن ولايته خالية تماماً من جيوب التمرد وأن جميع المتمردين هم خارج أراضي شمال كردفان»، هذا أمر مؤسف جداً، ونحن ندرك أن الشخص يمكن أن يخفي تحركات قواته وأجهزته الأمنية لمبررات ودواعٍ يدركها الجميع، لكن الحقائق لا يمكن إخفاؤها ونحن نعيش في عالم مفتوح، وكثيراً ما تتسبب التصريحات التي عادة ما تتقاطع مع الواقع تتسبب في التشويش وتعتيم الرؤية حتى للقوات والأجهزة نفسها وبدليل مقتل خليل داخل شمال كردفان. الوالي هو المسؤول الأول عن تأمين الولاية قبل وزير الدفاع ووزير الداخلية ومدير جهاز الأمن، وهو الذي يمكن أن يتم الناقصة إذا تفقّد الأوضاع ميدانياً ووجد نقصاً في بعض الأجهزة لديه أو مشكلة ما. الشيخ معتصم ينتظره الكثير الذي يمكن فعله أوله أن يلبس لأمة الحرب «الميري» ويقف جنباً إلى جنب مع قواته وأجهزته الخاصة أسوة بأخيه أحمد هارون حتى يتمكن من الوقوف ميدانياً على حجم التأثيرات التي تعرضت لها المنطقة والمآلات وآفاق المستقبل، أليست قضية كردفان الكبرى واحدة؟!! أخي «معتصم»، أنت تحكم ولاية أهلها يأكلون النار استنفرهم واستنفر إعلامك ولا تركن ل (إعلام) الشاذلي يوسف ووزيرته فهو إعلام أعوج وإعلام علاقات عامة لا يتجاوز صداه «حيطان» مدينة الأبيض، وأنت تدرك أن الحرب الآن فكرتها إعلام، فهؤلاء القتلة لا يصمدون في وجه المقاومة لكنهم إذا وجدوا التماهي سيمضون. أخي «الوالي» أنت ولجنة أمن الولاية مطلوب منكم زيارات ميدانية لرفع معنويات شعبكم وقواتكم، سمِّها «زيارة رفع المعنويات والرباط» كما لا تنس، استنفر النواب في المركز والولاية للرباط لأن الصدور الآن تعتمل الكثير خاصة عند أهل النهود فهم يتحدثون منذ الخريف الماضي بأنهم غرقوا ولم تزرهم؟! واليوم ود بندا تتعرض لهذا الاعتداء الغاشم فإذا لم تواسهم فسوف توسع دائرة الحديث والتحليل السالب!! نقدِّر للأخ اللواء حجر معتمد ودبندا فقد ظلّ مرابطاً وحديثه متفائلاً وهو الذي ظل يهاتفنا ويطمئننا لحظة بلحظة وهو مستعد لقيادة المواجهة بنفسه والدفاع عن محليته رغم ضعف الإمكانات. لكن نحن بدورنا نقول: هل الحرب والدماء والأشلاء والخراب هو الطريق الوحيد لجلب التنمية؟ وأستطيع القول إن ما فقدته دارفور بسبب التمرد لا يمكن استعادته لعشرات السنين، دارفور أصبحت كالمتسوِّل بسبب تعطيل مشروعات التنمية. أهل كردفان عليهم أن يكونوا أكثر يقظة حتى لا يتكرر سيناريو دارفور والجنوب في الأبيض والنهود وأبوزبد وقراها الوادعة، ولا بد من الوقوف خلف القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وهي تؤدي واجبها في الدفاع عن هذا الوطن وتأمين ممتلكات المواطنين.. خطورة ما تعرّضت له شمال كردفان تكمن في أنه جاء بعد موسم زراعي شبه فاشل والجميع معتمد على الثروة الحيوانية والذهب، وأن «خليل» وزمرته أول ما استهدفوا استهدفوا مواقع التعدين وتشتيت المتعاملين مع هذا القطاع بالتجنيد والضرب والقهر، وسبق أن أطلقنا نداءات وقلنا إن أعداد الشباب الموجودين في مناطق التعدين وبهذه الأحجام يمثلون مورداً أساسياً لرفد معسكرات التمرُّد على الدولة وكان المفترض حماية هذه المناجم وفتح قوات كافية في كل المناطق بما أنها أصبحت مناطق جذب للعاملين ويقيمون فيها بعشرات الآلاف يمثلون مدناً بحالها!! حركة «خليل» المتمردة ماصدقت نفدت بجلدها من قبضة الثوار في ليبيا؛ فبالتالي ما كانت ليها القدرة للدخول في حرب ومناوشات غير أن المثل القائل: «المال السائب يعلم السرقة» قد انطبق على حالتهم حيث وجدوا ولاية مخلخلة وبها ثغرات فعمدوا استغلال الظرف في تحقيق مكاسب ممثلة في «الإعلام» و«التشوين» وقد أفلحوا في ذلك فقد نهبوا الأسواق ودمروا الأبراج الخاصة بالاتصالات وأن كمية من الوقود والمواد التموينية نهبوها من الشاحنات التجارية والأسواق الصغيرة دون أن تطرف لهم عين أو يرتجف لهم جفن لكن الخسارة الأكبر في مقتل قائدهم وتشتيت شملهم. مطلوب قوات على طول الشريط بين كردفان ودارفور وأخرى قوات «موبايل» متحركة لسد الفجوات ومطاردة المجموعات والعصابات التي أصبحت مهدداً حقيقياً لأمن المواطن الأعزل إذا كانت الحكومة جادة في سد الذريعة وقفل الباب البجيب الريح!!