{ شذت بعض الألسنة في التعليق على مصير رئيس حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم الذي لقي مصرعه أثناء هجوم قواته واعتدائها على بعض المناطق السكانية في جنوب كردفان، وعلى مصير حركته بعد أن لقي حتفه، فحينما اتفق معظم الذين اُستطلعوا من قِبَل وسائط الإعلام على أن مقتل رئيس حركة العدل والمساواة يعتبر بداية النهاية للحركة وأنه يأتي إضافة لعوامل تحقيق السلام والأمن في مناطق البلاد الغربية والوسطية والجنوبية، إلا أن فئة قليلة درجت على عدم اعتماد المنطق والموضوعية في تناولها للأمور كيداً لخصومها في الحكومة والحزب الحاكم، خالفت ما ذهبت إليه الأغلبية، واعتبرت أن قتل فرد في الحركة المتمردة لا يعني مضيّها نحو مصيره، وأن قتل رئيس الحركة من شأنه أن يعطي أنصاره الإصرار على مقاتلة الحكومة بصورة أكبر مما كانت قبل مقتل القائد. قال المتحدث باسم الحزب الشيوعي يوسف حسين: «إن مقتل الفرد لا يمكن أن يؤثر على حركة منظمة ذات برنامج مطروح للتغيير».. انتهى.. وهنا نسأل: لماذا تسعى الحركة أصلاً للتغيير الذي يستبطن مباركته المتحدث الشيوعي؟! هل يستبعد أن يكون خليل إبراهيم مثل برهان الدين رباني الذي كان يقود المعارضة المسلحة ضد حكومة حركة طالبان ويعاونه فيها الشيوعيون والشيعة والعلمانيون مثل رستم وعلي ميرزا وأحمد شاه؟! ماذا يعني برنامج التغيير في سياسة حركة العدل والمساواة للحزب الشيوعي؟! إن خليلاً رغم خروجه على الحكم ومخالفته بذلك «الكتاب والسنة» إلا أنه يبقى عدواً ثابتاً لا يتغير للحزب الشيوعي، ولو استعان به في مرحلة الخروج على الحكم على طريقة برهان الدين رباني الذي قاد تحالف الشمال المسمّى عند السلفيين بتحالف «أصحاب الشمال» ضد «طالبان».. وإذا أتى الله الملك لخليل سيكون الحزب الشيوعي معارضاً له.. فهو حزب لا يعرف التأييد فإما أن يكون حاكماً وإما أن يكون معارضاً له، ورغم أن جعفر نميري استضافه في حكمه عام 1969م إلا أنه كان معارضاً من داخل الحكم، وتفاصيل ذاك التاريخ معروفة.. إذن لماذا يتحدث متحدث الحزب الشيوعي عن تغيير لا يقوده عرمان أو مليشيا «مجد» الشيوعية المنحلة، أو أبو عيسى، وإنما خليل إبراهيم الذي تربى في أحضان الحركة الإسلامية منذ أن كان طالباً بالمدرسة الثانوية بالفاشر، وبعد المفاصلة الشهيرة رجع إلى قومه غضبان أسفاً وألّف الكتاب الأسود. لذلك على «يوسف حسين» المتحدث باسم الشيوعيين وزعمائهم وهم زروق وعبد الخالق ونقد عليه أن يقرأ الكتاب الأسود، ليضع الأمر في نصابه، وهو يتحدث عن التغيير الذي تتبناه حركة خليل.. إن مشكلة خليل ليست المؤتمر الوطني كحزب سياسي حتى نقول إنه أصبح يفضل الحزب الشيوعي عليه بتحالفه مع عرمان في الجبهة الثورية.. إن مشكلة خليل هي أن يكون يوسف حسين وزيراً للإعلام أو الخارجية إذا عاد الحزب الشيوعي إلى السلطة.. لكنها بالطبع مشكلة مزعومة، فوزير الداخلية عام 1964م كان الجنوبي كلمنت أمبورو، ووزير الخارجية أيام نميري كان الرشيد الطاهر وكان كذلك رئيساً للوزراء، ووزير الإعلام في أيام نميري أيضاً كان الجنوبي بونا ملوال. ووزير الحكم الاتحادي الذي عبث بجغرافيا السودان أيام عهد الإنقاذ الأول كان ابن دارفور علي الحاج. يوسف حسين يرى استحالة نهاية حركة قاتلت عشرة أعوام بمجرد مقتل زعيمها خليل.. لكن كم عاماً عارض الحزب الشيوعي الحكومات بعد إعدام زعيمه عبد الخالق محجوب قائده العسكري المقدم بابكر النور ونائبه الرائد هاشم العطا؟! هل حركة خليل منظمة بشكل أفضل من الحزب الشيوعي الذي كان أحد عناصره قائداً للواء الأول مدرعات وهو العقيد الهاموش، وأحد عناصره قائداً للحرس الجمهوري وهو المقدم أبو شيبة؟! المطلوب من يوسف حسين أن يدرس هذه المقارنة. خليل وحزب الترابي لعل تعليق حزب الترابي المؤتمر الشعبي على مصير قائد حركة العدل والمساواة خليل إبراهيم هو محل اهتمام الكثير من المراقبين للشأن السوداني بالصورة التفصيلية وعلى رأس هؤلاء طبعاً الكتاب الصحفيون في الشأن السياسي وبعض المحررين في ذات الشأن، وذلك لربطهم بين حزب الترابي وحركة خليل والمعلوم هو أن ثمانية من أكبر قادة الحركة كانوا أعضاء مجمّدين أو مفرّغين في قيادة حركة العدل والمساواة.. هذا ما قرأه الناس في الهواء الطلق ونُشر في الكثير من الصحف الخارجية والداخلية. لكن ماذا قال حزب الترابي حول مقتل خليل؟ قال على لسان أحد أمنائه الذين يكثرون الحديث في الساحة: «إن مقتله ربما أعطى مناصريه دفعة معنوية لقيادة حرب كبيرة ضد الحكومة». وقال: «مقتل خليل ليس انتصاراً للحكومة بل خصم على الحل السلمي الذي ينشده الشعب السوداني في دارفور وفي كل المناطق المتأثرة بالحرب».. وأضاف: «أن العدل والمساواة كانت قد جرّبت غيابه دون أن يكون له الأثر الكبير عليها».. وقال: «يمكن استفادة الحركة من دروس قائدها الذي كان يتقدم صفوف قواته كميزة لم تتوفر عند غيره من القادة».. انتهى. بالنسبة لتصريحاته الأولى حول تحفيز أنصار خليل يقول: «ربما» أعطى دفعة معنوية.. إذن بالمقابل «ربما» أيضاً العكس، والعكس هو الأرجح؛ لأن الوصول إلى دماء القائد أصعب من حسن أتباعه.. أما قوله إن مقتل خليل «ليس انتصاراً للحكومة بل خصم على الحل السلمي».. فهذا الحديث إذا كان ينتمي إلى الحقيقة والمنطق يلزم الحكومة بأن تفتح له الطريق دون أن تتعرّض له وكأنه قطار يسير في سكته الحديدية لكن ألا يعلم المؤتمر الشعبي ماذا فعلت قوات خليل في شمال كردفان قبل مقتل قائدها؟ هل يريد حزب الترابي من الحكومة أن توجه الجيش بألا يتعرض على قوات خليل؟! هل قوات خليل منظمات إنسانية تحمل الإغاثة من غذاء ودواء لسكان مناطق محلية بندة؟!. ألم تعتدِ على السكان المحروسين بعشرة فقط من رجال الشرطة وتنهب ممتلكاتهم وتعتدي على برج الاتصالات الذي يستفيد منه هناك المواطن البسيط.؟.. ما هذا المنطق الأعوج الذي يقدمه حزب الترابي؟! إنه حزب أعوج يناصب الحكومة العداء التقليدي الساذج، ولا يفهم كيف يعارضها بما يعود عليه بالنفع السياسي. كيف لا يكون قتل قائد التمرد انتصاراً وإنما الانتصار للسلام هو تركه ليفعل بالمواطنين ما يريد.. كيف نطالب بسحب الجيش من المناطق الآمنة التي يدخلها المتمردون؟! تبّاً لهذا الحزب المضر بمصالح البلاد.. ويقول المتحدث باسم الترابي: إن حركة خليل يمكن أن تكون قوية بدون قائدها؛ لأنها جرّبت غيابه ولم يؤثر هذا عليها.. ولكن أين كان موجوداً حين غيابه؟! هل كان معتقلاً؟! هل كان أسيراً؟.. كلا.. كان حيث يتلقى الدعم والتمويل لإمداد من غاب عنهم ميدانياً، والآن ترى على أي قائد سيتفقون؟!.. وهل سيختار نفس الطريق الذي أشاد به المتحدّث باسم حزب الترابي حينما قال كان يتقدم صفوف قواته أم سيتعظ ويبتعد عن تجريب المجرّب ويتوجه إلى ركب السلام؟! إن اللواء إبراهيم نايل إيدام عضو مجلس الثورة السابق ووزير الشباب والرياضة قال: «العقبى لجنوب كردفان.. والذي يرفض الصلح ندمان».