ما نزال ننسج على منوال المفكر العربي الذي اكتشف عروبة شكسبير وعروبة الديمقراطية، وقد وفقنا الله إلى اكتشاف أن هذا العالم كله عربي في عربي «والأرض بتتكلم عربي!!»، وأن صانعي الحضارة الغربية هؤلاء معظمهم إما عربٌ أو موالي مستعربون.. ولما كانت المساحة المتاحة لهذا العمود لن تكفي وإن طوَّلنا هذه الدراسة إلى خمسين حلقةً، فإننا سوف نكتفي بهذه الحلقة الأخيرة، ونكتفي بقليل من النماذج فقط، وسوف تكون هذه الحلقة الأخيرة مختصَّة بالنساء فقط. هذا وكانت بادية اليمن قد أنجبت، بعد الملكة بلقيس، ملكةً أُخرى ذات جمال وطموح وهيبة، اسمها «أُم ضيرم الغامدي»، أغار بنو حاشد على قومها قبيلة الغوامدة فأسروا أُم ضيرم، وقرروا تزويجها إلى شيخ القبيلة، غير أن كبرياء الملوك الذي يجري في دمها، جعلها، ليلة زفافها إلى زعيم القبيلة وبعد أن أوى إلى فراشه للنوم، تقوم بقتله خنقاً بعمامته، ثم تلوذ بالفرار في جنح الليل، وظلت تعدو طوال الليل، ثم تلوذ بالنهار إلى مغارة أو كهف، ثم تواصل الجري ليلاً، حتى وجدت نفسها في الهند، وهناك وجدت في استقبالها موكباً هندياً مهيباً فاندهشت وانزعجت وهي ترى القوم يستقبلونها بالدفوف والغناء ويضعون التاج على رأسها.. ولم تفهم الحكاية إلا بعد أن أجلسوها على العرش.. فقد كان الهنود، وبعد أن مات ملكهم الذي لم ينجب خليفةً له، قد لجأوا إلى كاهن لهم طالبين منه أن يبحث لهم عن ملك، فقال لهم الكاهن: أخرجوا إلى الجانب الغربي من المدينة، وقفوا صفاً، وصوموا يومكم كله، فإذا جنَّ الليل بعث الله إليكم بملكةٍ تجيء جاريةً من جهة الغرب، فتلك مليكتكم.. وكان الهنود ينفذون وصية كاهنهم عندما ظهرت أم ضيرم التي أنهكها التعب من كثرة الجري .. فهللوا وكبروا وهم يرون نبوءة كاهنهم تتحقق.. وحين سأل الهنود ملكتهم عن اسمها، قالت لهم «إسمي أُم ضيرم الغامدي»، فرددوا اسمها بلسانهم الأعجمي، قائلين :« أنديرا غاندي ».. أما «القونقليزا بت الريس» فقد سمَّاها أبوها حاج الريِّس القونقليزا لنشاف رأسها الشبيه ب«قرعة» القونقليز، وتقولُ عنها زميلاتها من فتيات النوبة في غرب السودان، إنَّها عُرفت في صباها الباكر بالطموح الزائد والعين الطايرة، الأمر الذي حدا بأبيها حاج الريِّس أن يحاول التخلص منها بتزويجها إلى أحد أتباعه صغار الشأن، وهوما لم يُعجب القونقليزا، فهربت ليلاً، مع «خواجة» كان قد جاء بغرض السياحة، وطارا توَّاً إلى أمريكا .. كانت آنذاك في السادسة عشرة من عُمرها.. ومنذ ذلك الحين لم تهدأ «القونقليزا بت الريس».. استخدمت كل ما أوتيت من مكر ودهاء حتّى أصبحت وزيرة لخارجية الولاياتالمتحدة.. وحرَّفت اسمها تحريفاً طفيفاً حتّى يُلائم ألسن الفرنجة، فأصبح اسمها في الأوراق الثبوتية «كونداليزا رايس».. السيد فاروق حسني ما يزال حتى بعد الثورة المصرية التي أطاحت العصابة التي انتمى إليها غاضباً من سقوطه المُدَوِّي في معركة الترشح لرئاسة منظمة اليونسكو، التي انتزعتها منه امرأة يزعمون أنها بلغارية تسمى «إيرينا بوكوفا» .. ليتهُ يعلم أن رئاسة اليونسكو لم تذهب إلى غريب، وليته يعلم أن السيدة إيرينا بوكوفا هي عربيّة صميمة، بل مصريَّة وصعيديّة، هاجرت إلى بلغاريا خوفاً من الثأر، ذلك أن جدتها كانت قد قتلت جدَّة صديقتها، فقررت نساء عائلة صديقتها أخذ ثأرهن منها شخصيَّاً، فهربت إلى بلغاريا .. وهناك نجحت في حياتها العلمية والعملية، وأعجب بذكائها البلغاريون، ولكنهم وجدوا صعوبةً في نطق اسمها الصعيدي القُح «العُريناء بنت أبوكف»، فتحايلوا على اسمها، ونطقوه «إيرينا بوكوفا» .. ولم تجد العريناء بأساً في ذلك، وحين ترشح فاروق حسني لرئاسة اليونسكو، تقصَّت العريناء أخبارهُ، فعلمت أنّه قريب صديقتها سابقاً، تلك التي كانت سبب هربها، فأقسمت اليمين المغلظ ألاّ تدعه يهنأ بالمنصب، فرشحت نفسها في مواجهته، وانتزعت منه المنصب!! ولكن النساء العربيات لم تقتصر هجرتهن المباركة على الهند وبلغاريا، بل شملت حسناواتٍ شاميات، أمثال الجريثاء بنت جربوع، تلك الفاتنة العربية التي هاجرت في طفولتها إلى السويد بصحبة عائلتها، ثم أصبحت من أشهر الممثلات على مستوى العالم، وسماها السويديون «جريتا جاربو»، وأمثال الساحرة الأُخرى «النجلاء بنت جُعل» التي بعث بها أهلها للدراسة في أمريكا، فرآها بعض مخرجي السينما في هوليود، فصعقه جمالها، فتمكن من إقناعها بترك دراستها والعمل بالتمثيل في السينما، وقد وافقت الفتاة رغم اعتراض عائلتها، وضربت بتحذيراتهم عرض الحائط، الأمر الذي جعلهم يتبرَّؤون منها، أما هي، فقد شقَّت طريقها في التمثيل السينمائي، حتَّى أصبحت من أشهر نجوم السينما الأمريكية، وأصبح اسمها «أنجلينا جولي» .. هذه أمثلة قليلة، نكتفي بها لضيق المساحة..