رجل كبير في السن أخذ منه المرض ما أخذ، وجده البعض يبكي بحرقة على باب مستشفى الأطباء وبكاء الرجال وما أدراك ما بكاء الرجال. المرض وكبر السن أمر لا مفر منه فهما لا يُبكيان رجلاً، ولكن الذي أبكاه أمر آخر، فقد كان ينعى في بكائه هذا إنسانية الإنسان السوداني التي لطالما أثنى عليها الآخرون..! والأمر وما فيه كان الرجل في حاجة ليفحصه اختصاصي، طالبوه بمبلغ مائة وخمسين جنيهًا حتى يتسنى له مقابلة الاختصاصي لم يكن يملك من هذا المبلغ إلا القليل، لذا لم يسمح له بمقابلة الاختصاصي، وهذا ما جعله يبكر وينعى في بكائه موت أعظم ما كان يتصف به أهل السودان من تكافل اجتماعي هو ما بقي لأهل السودان من فضيلة! بعض من شهد الموقف من رجال حقيقيين هزهم بكاء الرجل وحين علموا بالأمر قاموا بجمع المبلغ وأعطوه للرجل الذي قام بدفعه لإدارة المستشفى! الأمر العجيب أن ذلك المبلغ كان مقابل كشف الاختصاصي فقط، والغريب في الأمر أن الرجل لم يقابل الاختصاصي كما هو معلوم، ولكنه قابل طبيباً عمومياً..! مدير المستشفى قال للرجل إن هذا المبلغ لا يدخل في تكاليف العملية فذلك حساب آخر..! يا سبحان الله، أصبح الطب الذي كان مهمة إنسانية أصبح سلعة لمن يستطيع إليها سبيلا..!! القصة حكاها لي وبألم شديد أحد الإخوة الذين أثق بما يقولون، وقد كان لحظتها في المستشفى يُجري فحوصات لطفلته الصغيرة وكان هو من دعا بعض الخيرين وجمعوا مع المبلغ! إن أردنا محاسبة مستشفى الأطباء قانونيًا، فنحن مخطئون ولا حق لنا، ولكن إن حاسبناه أخلاقياً وإنسانياً فإن كل المواد الأخلاقية والإنسانية والمتعارف والمتفق عليها بصفة جماعية فإن المستشفى مدان حتى النخاع..!! ما الضرر الذي يحيق بالمستشفى إن قام بعلاج عدد من المعوزين يحدده هو «المستشفى لنقل عشرة مرضى في الشهر، هل سينقص هذا من دخل المستشفى؟ لا اعتقد..! ولو حذت بقية المستشفيات الخاصة هذا الحذو، لأزالت الكثير من كرب المحتاجين والفقراء ولكان في هذا العمل بركة في الرزق. إحدى الصيدليات ببحري أنشأت صندوقاً خيرياً، يتصدق فيه القادرون من المواطنين الذين يتعاملون مع الصيدلية لصالح الفقراء الذين لا يجدون ثمن الدواء. تجمع الصيدلية ما في الصندوق ثم تضيف مبلغاً يساوي ما وجد في بالصندوق، والمريض الفقير إن استطاع دفع ما لديه حتى وإن كان يمثل نسبة عشرة في المائة من القيمة أو أقل وتتم تغطية بقية المبلغ من الصندوق!! فكرة بسيطة ذات مفعول عظيم، يمكن تعميمها على كل المستشفيات الخاصة، فالمقتدر المريض أحد أهم عوامل شفائه الصدقة، ولن يتردد في الصدقة لمسكين وفقير، والمريض الذي يخرج من المستشفى معافى يقيم من الولائم والحفلات ما يكلفه عشرات الملايين، لا أعتقد أنه في سبيل علاج إنسان فقير يعاني من المرض الذي عانى منه هو لا أعتقد أن ذلك المريض القادر يبخل على آخر يعاني من المرض.. فهو سوف يدفع لهذا الصندوق بكل صدر رحب. وهذا العمل هو ما يذهب مع الإنسان بعد موته، فما الذي يرجوه مستشفى الأطباء أو إدارته بعد موتها هل يُرضي إدارة مستشفى الأطباء أو أي مستشفى خاص آخر أن تُسأل يومئذ عن ذلك المريض الفقير الذي طرده لأنه لم يكن يحمل تكلفة العلاج! أعتقد أن كل القضايا التي يعاني منها المواطن يمكن حلها، إن التفت أولو الأمر إلى الأخلاق والعوامل الإنسانية لوجدت الحلول والتي يكون المواطن المقتدر على استعداد للمشاركة في العمل الخيري. الخليفة العادل عمر بن الخطاب عليه رضوان الله ورحمته وجد يهودياً في حالة رثة يسأل الناس فأخذه إلى بيت المال «وزارة المالية» وأمر بصرف معاش له حتى آخر يوم في حياته وقال: «أخذنا منه الجزية وهو شاب يعمل والآن نتركه وهو عاجز، حتى اضطر أن يسأل الناس» هذا يا اخوتي في مستشفى الأطباء تعامل مسلم مع يهودي فكيف يتعامل مسلم مع مسلم. وهذا المقال موجه إلى كل المستشفيات الخاصة وليس الأطباء فقط..وأتمنى أن يقوموا بهذا العمل فهو الذي سيرافقهم للآخرة.