يقولون إن عمر الأرض «خمسة آلاف مليون عام»!!.. بغض النظر عن دقة ذلك فإن الأمر الذي ينبغي أن نؤكده هو أن جميع سكان الكرة الأرضية اليوم وهم يقدرون بالمليارات بدءاً من الطفل حديث الولادة وحتى الأكبر سناً سيكونون كلهم بعد 150 سنة فقط، سيكونون تحت التراب.. بل إن مثلهم جيل جديد أو ضعفهم سيعمرون الأرض إن أراد الله لها أن تبقى!!. هؤلاء سنكون نحن لهم بالتأكيد التاريخ.. أول شيء سنورثه لهم ولن يضيع عنهم بالتداول هو عدد الأيام ومسمياتها من سبت وأحد وإثنين.. إلخ والشهور والسنين؛ لأنها مرتبطة بتسلسل حياتنا وحياتهم ثم التقويم الذي سجل لهم التاريخ.. والسؤال الذي يقفز إلينا نحن أبناء هذا الجيل ونحن قد ورثنا ذلك من أجيال سبقتنا متى عرف الإنسان هذه الأيام والشهور والسنين وبدأ التعامل بها وهل هي دقيقة؟!. حكايات وأسرار ومفارقات وحقائق نرصدها حول ذلك ونحن نتحسس أعمارنا ونحن جميعاً في السودان من مواليد التقويم الميلادي كما أن التسنين يكون بيوم 1/1 وعيد استقلالنا هو: «أول يناير يوم أعياد في ظلو نحن بقينا أسياد». كما يتغنى وردي وآخرون.. الشيء الذي يذكرنا في الإعلام بالتقويم الهجري هو المدائح النبوية فنسمع المادح ينشد: قوماك اثنان في ربيع ثاني ٭ زوراك رسولاً حظى بالمثانِ وجميع المدائح تمجد التاريخ الهجري. والتقويم الهجري عندنا يرتبط بحياتنا الدينية في الصيام، رجب ورمضان والحج، لكنه حتى في صحفنا اليومية كما يقول الأخ صلاح التوم في أحد مقالاته: تكتب الصحف السودانية التاريخين الهجري والميلادي، وقد تلاحظ أن صحفاً تبدأ بالتاريخ الأفرنجي وليس الإسلامي، وكانت الصحف السودانية في عهد الاستعمار تضيف التاريخ القبطي. لكن ما هي الأسباب التي ربطت العالم كله بالتقويم الميلادي وما هي دقة وصحة ذلك التقويم؟ { تاريخ ميلاد المسيح عليه السلام هل هو صحيح؟! يقول العلماء والمؤرخون: ليس من اليسير أن نصل إلى معرفة تاريخ ميلاد المسيح على وجه الدقة، وقد بدأ وضع التقويم المسيحي رئيس دير يدعي «ديو نسيوس اكسيبوس» الذي مات قبل عام 550 ميلادي. وما زال العالم يستخدم هذا التاريخ حتى الآن حيث تؤرخ جميع أحداث العالم بقبل وبعد ميلاد المسيح حتى كثير من البلاد الإسلامية، ويقال إن ميلاد المسيح تم إما في أواخر سنة 5 قبل الميلاد أو في أوائل 4 قبل الميلاد طبعاً هذه قد لا يتوقعها البعض أن المسيح ولد قبل الميلاد!! شيء عجيب!!. { العمر ما «بعزقة»: نحن طبعاً نتعامل وفقاً للتقويم العالمي هذا وحتى أعمارنا ولكن العمر الذي قد يستهين به البعض والذي قد يذهب نصفه أو جلّه سُدى له تقديراته، فأنت عزيزي القارئ مرتبط بسلسلة أحداث قبلك وبعدك وحولك، قد لا تحتفي بها بعيد ميلاد أو تحتفل، أو قد يهتم به والداك وأنت صغير ثم قد تعمل أنت على إخفائه حينما يتقدم العمر، أولا تنكره وتجد مثل ذلك فيما يصدح به الشعراء والفنانون والمداح من ثقافات كل له تقييم للعمر، ففي الأغاني مثلاً البعض يقدمون العمر قرباناً وإعزازاً للمحبوب مثل قول أحدهم: يا زمن وقف شوية ٭ واهدي لي لحظات هنية وبعدها شيل باقي عمري ٭ شيل شبابي وشيل عيني والشاعر يقول: وأفنيت عمري في انتظاري نوالكم وأبليت ذاك الدهر وهو جديد والأمثلة كثيرة.. لكن المدائح تختلف؛ لأنها تقدم العمر لدار الخلود هناك حيث العمر الأبدي فتجد الشاعر يمدح: عيب شبابي الماظعن ٭ ما حجّ زار المؤتمن وحاج الماحي يقول في إحدى مدائحه: حال الماحي يشكوبو ٭ ضيَّع عمرو في لعوبو هذه الثقافات كلها منبثقة من مرجعيات أصولها دينية. إذن الشيء الذي يجعل العمر حقاً له قيمة حقيقية، أن عمرنا هو إيماننا وديننا وهويتنا وأحداثاً تكوِّن من كل ذلك وجداننا، ونجد عادات أيضاً تنبثق منها ثقافاتنا وموروثاتنا وإرثنا بل وما نتركه من أثر نتيجة ذلك الحراك والتفاعل. مناسبتنا كلها دينية، ترتبط بالتقويم الهجري فتجد فينا معشر المسلمين مكونات من «رمضان والحج، والأعياد الفطر والأضحية»، بل تجد الجمعة فهي عندنا عيد ثم تجد باقي المناسبات حتى في الزواج مربوط الكثير منها برجب وقد ترتبط بالمساجد.. إلخ. هذا في حد ذاته تقويم وسلسلة رباط اجتماعي.. من أين جاءت يا تُرى وما هي مناسباتها ولماذا نقرّها... ومتى وضعت تواريخها؟ بالتأكيد هي جاءت من القرآن الكريم، وهي عالمية باعتبار أن الإسلام للعالمين كافة.. والله حدد التقويم بارتباطه بالشمس والقمر لنعرف عدد السنين والحساب، من ثم فإن الأعياد ليست «من فراغ» لارتباطها بالمواقيت والأزمنة والأحداث لنتعرف أولاً كيف ولماذا التاريخ أو التقويم الهجري؟. { التاريخ الهجري من المعلوم أنه في بداية الإسلام لم يكن التاريخ السنوي معمولاً به حتى خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السنة الثالثة أو الرابعة من خلافته، أي سنة «ستة عشر أو سبعة عشر» من الهجرة وقد ذكر في سبب التاريخ الهجري ما أخرجه «أبو نعيم بن دكين» في تاريخه أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه كتب إلى عمر رضي الله عنه أنه يأتينا منك كتب ليس لها تاريخ فجمع عمر الناس وشاورهم واستقر الرأي برأي عمر على التاريخ الهجري كما يقول عمر: «الهجرة فرقت بين الحق والباطل». هذا يقودنا إلى أن كياننا أيضاً مربوط وممشوج بالتاريخ أو التقويم الهجري كمسلمين، ما دامت الهجرة قد فرقت بين الحق والباطل.. ثم إن التاريخ في عالمنا المعاصر أصبح وثيقاً بالمعاملات الاقتصادية والمالية والقانونية والإسلامية في ما يختص بالوفاء بالالتزامات والاستحقاقات المالية وغيرها لذلك فإن العمر شكل من أشكال القيد الزمني أيضاً. وحتى في مسائل الزواج والطلاق والعدة و.. و.. إلخ والتقويم الهجري أدق وأقرب من غيره للطبيعة، وعلاقة الشمس والقمر كما حددها الخالق بالشمس والقمر بحسبان وإن الشمس والقمر والنجوم لنعرف عدد السنين والحساب ونهتدي بها في أشعارنا.. ولعل العلم الحديث استمر في مراصد الفلك والتنبؤات الجوية فتضمنت التقاويم أدق تفاصيل حياتنا حتى في الزراعة والطعام.. بل إن البعض استخدمها في البروج والتكهنات الخاصة التي لا أساس لها من الصحة. سنتعرف على العلاقة بين كل ذلك والتقاويم اليهودية وما دخل فيها من غرائب.. فعلاقة الإنسان بالتقويم وميلاده وحياته مرتبطة ببعضها، وحري بنا أن نعرف أننا نحتفل بماذا ولماذا في العدد القادم.