على أعقاب انتهاء عام 1954م ظهر على المشهد السوداني جملة من الأحداث التي أخذت تتسارع بوتيرة واحدة تنم وتلوِّح إلى أن السودان يستشرف عهدًا جديدًا من الحرية والاستقلال بسيادته، ولعل أقوى الإشارات لهذا المشروع هو إرهاصات الصحافة السودانية التي قامت بنقل الأحداث وقراءتها وتحليلها للقارئ. ومع تسارع الأحداث استطاعت الصحافة أن تهيء الرأي العام والمواطنين على لحظات الاستقلال. ومن أبرز تلك الأحداث ننشرها ها هنا من حيث الرصد لا التحليل ومنها نختار التحرك الدبلوماسي الخارجي للأعضاء الحركة الوطنية والأحزاب السياسية حيث أفردت له الصحف في ذلك الوقت مساحات واسعة وحظي بتغطية إعلامية موسعة. كما أن جدل الأحزاب حول المشاركة في حكومة ائتلافية ذات قومية تلبي طموح البلاد وتعمل على استقلالها كان مثار اهتمام الصحف وظلت الصحف تتساءل عن لحظة الاستقلال الحقيقي ومن أبرز التصريحات التي نشرت في صحيفة الرأي العام حيث يقول عنوانها الرئيسي «الأزهري يقول: لم نرفض الوزارة القومية» وزعيم المعارضة يقول :«إننا لن نسمح أن نحكم بالقوة». كما أن صحيفة الأيام نشرت الوثيقة التاريخية التي تم الاتفاق على الوزارة القومية فيها حيث تقول: بسم الله الرحمن الرحيم نتيجة للمفاوضات التي جرت بين ممثلي الحزب الوطني الاتحادي السادة حماد توفيق وأمين السيد وعلي عبد الرحمن وممثلي الأحزاب المؤتلفة السيدين عبد الله بك خليل وميرغني حمزة حصل الاتفاق على تأليف الوزارة القوميه على النحو الآتي: للحزب الوطني الاتحادي السيد إسماعيل الأزهري رئيساً للوزارة القومية ووزيرًا للداخلية، والسيد مبارك زروق الخارجية والعدل، السيد إبراهيم المفتي التجارة والصناعة . ترقب وانتظار!! عقب إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان أصبح كل شبر في البلاد ينتظر اللحظة التاريخية لخروج الاستعمار وأن جميع الفرص والحقائق تؤكد ذلك. ومن هنا دخل الصحافة مارثون جديد حيث كثفت جهودها للحديث حول الإرهاصات التي تسبق الاحتفال، وكيف سيتم الاحتفال إضافة إلى المناكفات التي دارت بين الأحزاب ومن أبرز هذه الأحداث كانت زيارة السيد الصاغ صلاح سالم أحد أعضاء مجلس الثورة المصري إلى السودان التي جاءت من أجل الاحتفال مع السودانيين باستقلالهم بجانب الفائدة الكبرى في رصيد السودان بما يختص باعتراف دولة مصر بالسودان. طرائف ومواقف!! ومع تقارب موعد الاستقلال تسابق الخياطون وأصحاب الأقمشة إلى الصحف لنشر إعلانات مدفوعة القيمة تدعو إلى مباركة الاستقلال بجانب قائمة أسعار مخفضة إلى من يريد تفصيل علم السودان، وأيضاً لم يقف الأمر عند أصحاب الخياطة بل ذهب إلى أكثر من ذلك حيث تدافع كل ذي حرفة يدوية إلى تقديم أعمال وطنية مثل النحت والرسم على الأبواب والكتابة على المحلات التجارية عبارة تمجد السودان. ولعل أبرزهم في مجال التفصيل عابدين عوض.