ها نحن نتّبع التقليد نفسه والمتوارث عاماً بعد عام، والمتعلق بتجميع المبعثر من الأحداث لنركمه بعضه إلى بعض، ثم نكشف عن غموضه، ونقرأ ما تدثر بين السطور.. علنا نضيف جديداً يستحق الوقوف عنده، ولكم الحكم إن كان يصلح لوضعه في خانة التوثيق للأحزاب السياسية المتحالفة منها والمنفردة.. ولا بأس أن نبدأ بالحزب الحاكم.. حزب المؤتمر الوطني رغم الاختراق الكبير لقضية دارفور بتوقيع وإنفاذ اتفاقية الدوحة والسيطرة على التمرد مروراً بالقضاء على زعيم حركة العدل والمساواة، ووأد الفتنة في جنوب كردفان والنيل الأزرق والتصدي للتمرد فيهما... إلا أن قضية المناصير شكلت خيبة أمل كبيرة في مسيرة الحزب، لكونها قضية ذات مطالب مشروعة، لكنها لم تجد حظها من الالتفات ما دعا الجميع لوضع ذلك في إطار :« ظلم ذوي القربى»... كما أن المتربصين وجدوا فرصة كبيرة استطاعوا توظيفها بامتياز.. ثم يمضي العام والاعتصام يبلغ من العمر «40» يوماً، ما يتيح التدخل الأجنبي، والعام الجديد يدخله الحزب وقد فشل في تحقيق ضمانة واحدة تخرس الألسن التي تراهن على أن الحكومة والمتمثلة في المؤتمر الوطني لا تلتفت إلا لمن يحمل السلاح!! تحالف قوى الإجماع الوطني من نعم الله علينا أن يكشف ما مضى من عام هذا الخواء والفراغ في الفكر والهدف لما يعرف بتحالف قوى الإجماع الوطني.. الذي أجمع فقط على إسقاط النظام، غير أنه لم يكتب حرفاً واحداً على سبيل التنظير لما بعد ذلك، في وقت كرّس فيه كل جهده لتحقيق هدفه الوحيد سالكاً لأجله كل الدروب، المشروعة وغيرها... إذ أن أياً من الأجسام التي تدثرت بعباءة التحالف، هي في الأصل ضعيفة عصفت بها الريح وما استطاعت إلى مقاومته سبيلاً، كونها تفتقر لمقومات الصمود والمنطلق من: القواعد والبرامج... لذلك جنحت للاستناد إلى غيرها من الأجسام لكي ما يقوي بعضُها بعضاً.. وقد أكد الإمام الصادق ذلك حين خاطب تجمعاً للتحالف بدار حزبه وهم قد اجتمعوا للاحتفال بمرور عام على «كسر يد مريم»، حيث قال: يجب في البدء أن نتوافق على قيادة نتحلّق حولها ونحتكم إليها ومن ثم نفكِّر في التغيير منطلقين من الكفاح المدني.. وعندما كال باللائمة على تحالف الجبهة الثورية كونها اتخذت من البندقية وسيلة للتغيير، خرج كل من فاروق أبو عيسى وكمال عمر وصديق يوسف مغاضبين، وقد أدهشهم حديث الإمام.. وقال أحدهم: « الصادق ده بقى مؤتمر وطني عدييييييل كده»!! والمراقب للمشهد يتفق معي بدرجة كبيرة أن نهج التحالف المنطلق من تسميم الأجواء بأحاديث ممعنة في الغلو، من شأنها أن تصطدم بنفاد صبر الأجهزة الأمنية، ما يؤشر لاحتضار التحالف في حال عدم توقفه عند الإشارة الحمراء التي وضعها مدير الجهاز في طريق التحالف الشائك!! حزب المؤتمر الشعبي نجح الحزب في عقد المؤتمر العام الثاني لولاية الخرطوم، مع فشله في عقد المؤتمر العام للطلاب بعد أن خرجوا عن الطوع بقضمهم للطوق، وقد عزا مراقبون ذلك لفقدانهم البوصلة، لجهة التقارب غير المفسر بين حزبهم والحزب الشيوعي.. وفي تطور لاحق حاصر الأمين العام للحزب د. الترابي.. حاصر طلاب الحزب بالجامعات وذلك بتكليف د. الأمين عبد الرازق نائب الأمين السياسي لأمانة الطلاب وحسن الرشيد مسؤول الولايات بأمانة الطلاب الاتحادية بغية ضم طلاب الشعبي لما يعرف بتحالف طلاب قوى الإجماع الوطني بالجامعات السودانية، الأمر الذي أدى إلى اصطفاف الطلاب في خانة الرفض ما ينذر بعاصفة وشيكة، أما على صعيد جهود التقارب بين الشعبي والوطني بالولايات وبخاصة في ولاية نهر النيل فقد قطعت أحداث المناصير ما كان من وصل، الأمر الذي دفع المركز لتوجيه مزيد من السهام في ضرع الناقة.. ناقة البسوس!! ثم أن ما ختم به الحزب عام مضى، هو نفسه ما سوف يستقبل به هذا العام ألا وهو إسقاط النظام بالقوة، على الرغم من التغيير الأيدولوجي الذي قد يضرب حركة العدل والمساواة بعد هلاك قائدها والذي كان يمثل الجناح العسكري للمؤتمر الشعبي!! حزب الأُمة القومي مخطئ من ظن أن مبارك الفاضل شغلته استثماراته الضخمة في جوبا ونيروبي عن تكرار ما فعله الصادق المهدي بعمه من قبل، فالرجل لم يتجه لجمع المال إلا ليجمع بينهما معاً ومن يمتلك المال يمتلك السلطة.. وبالمال يخطو مبارك نحو الإمامة خطوة، وقد جمع حوله الآن شباب الحزب وكيان الأنصار، والكيان كان يرى في مبارك طيشاً قد لا يؤهله للإمامة لكن سياسة التوريث التي اتبعها الصادق وكان آخرها أبعد نجله عبد الرحمن إلى القصر وهو يعلم أن ذلك سوف يحرك ساكناً في غير صالحه بل في صالح كريمته.. هذه السياسة ساهمت بشكل كبير في تحسين النظرة تجاه الفاضل.. والطيش عند كيان الأنصار أهون من إمامة امرأة !! وفي عام مضى استطاع مبارك أن يحرك الشباب، والشباب في هذا العام لديهم مطلبان: عزل عبد الرحمن من الحزب، والوفاء بعهد كان قد قطعه الصادق على نفسه وهو الاعتزال أو الإسقاط بالقوة!! الحزب الاتحادي الأصل على خلفية مشاركة الحزب في الحكومة العريضة واجه رئيس الحزب معارضة ناعمة من قبل بعض القيادات أمثال حسن أبو سبيب المشرف السياسي لمركزية أُمدرمان، وبخاري الجعلي عضو هيئة القيادة وعلي نائل المشرف السياسي لمركزية أمدرمان شمال، حيث رفض هؤلاء المشاركة المطلقة وطالبوا بمشاركة مشروطة وبنسب كبيرة تمكن الحزب من استيعاب كوادره في الحكومة.. كما واجه الميرغني معارضة خشنة من قبل بعض القيادات المتشددة والرافضة لمبدأ المشاركة والتي صنفوها بأنها تدعم موقف الحكومة، وهم قد تخندقوا لجهة العمل على إسقاطها، ومن هؤلاء علي محمود حسنين، وحاتم السر، حيث استطاعت المجموعة الرافضة لمبدأ الحوار استقطاب مجموعة من شباب وطلاب الحزب من المؤثرين بأمانة الشباب بمركزية الخرطوم، وقد تمكنوا من تحريك الشباب والطلاب لإحداث اختراق وتعطيل وقتي لقرار المشاركة باقتحامهم الاجتماع الحاسم لهيئة القيادة بجنينة السيد علي الميرغني بالخرطوم، الأمر الذي حال دون وصول الميرغني لمقر الاجتماع.. إلا أن الميرغني أعاد الأمور إلى نصابها، منطلقاً من أن مشاركة حزبه لا تأتي سعياً خلف السلطة إنما أملتها الظروف السياسية وجمع الصف الوطني ضد ما يحاك من مؤامرات خارجية تتربص بوحدة واستقرار البلاد. وبذلك يستقبل الاتحادي الأصل العام هذا وهو أكثر التصاقاً ومعايشةً لهموم الوطن والمواطن ما يرتب نظرة جديدة لقواعد ملت العمالة والارتزاق. ختاماً لم يسقط سهواً الحزب الشيوعي والحركة الشعبية قطاع الشمال وغيرهما من الأحزاب والكيانات السياسية والجهوية والعقدية، لكن المقام هنا مقام كبار لديهم وزنهم في حالتين: إن تحالفوا أو تقوقعوا.. فعذراً لمن لم يجد اسمه هنا!!