الزيارة التي قام بها رئيس الجمهورية المشير عمر البشير أمس للعاصمة الليبية طرابلس ولقائه برئيس المجلس الوطني الليبي الانتقالي مصطفى عبد الجليل، من شأنها أن تؤطر لعلاقة جديدة وإستراتيجية بين البلدين في أعقاب سقوط نظام العقيد القذافي الداعم الأول لحركات التمرد في السودان بدءاً من الحركة الشعبية مروراً بحركة العدل والمساواة، ولعل أبلغ تعبير ما قاله رئيس الجمهورية فور وصوله لطرابلس لوكالة الأنباء الليبية «وكأنني أزورها لأول مرة بقلب منشرح وبشوق للقاء الإخوة والأحبة»، ويرافق البشير في هذه الزيارة وفد رفيع، من أبرز شخصياته مدير جهاز الأمن الوطني والمخابرات الفريق أول محمد عطا ووزير الخارجية علي كرتي ومحافظ البنك المركزي محمد خير الزبير. ويقول المراقبون إن الزيارة الأولى للرئيس البشير إلى ليبيا تأتي تتويجاً وانعكاساً للتطورات الإيجابية التي حصل عليها السودان على خلفية الانتفاضة التي نشبت بين نظام العقيد القذافي المنهار وثوار ليبيا، وتأكيدًا على أن زوال نظام القذافي الذي تأذى منه السودان خلال كل الأنظمة التي تعاقبت على حكمه الذي دام لأكثر من أربعة عقود، يصب في صالح الحكومة السودانية، والمعروف أن نظام القذافي ظل يدعم كل الحركات المسلحة المعارضة للحكومات المركزية التي تعاقبت على سني حكم السودان منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد كان نزوله بثقله من دعم مادي ولوجستي لحركات التمرد في دارفور وحملهم على اقتحام الخرطوم عبر ما أسموها عملية الذراع الطويل العام 2008 ليست بخافية على المراقبين في المنطقة الإقليمية بل والمجتمع الدولي عامة. بدوره حمّل الرئيس البشير نظام العقيد الليبي السابق معمر القذافي مسؤولية المعاناة التي تعيشها ليبييا حالياً، مضيفا أن بلاده جاءت في المرتبة الثانية من المعاناة من نظام القذافي السابق. وقال البشير إننا نقول إن الشعب الليبي كان الأكثر معاناة وكنا نحن رقم اثنين في المعاناة من ذلك النظام. وقال الرئيس عمر البشير خلال مؤتمره الصحافي الذي جمعه مع رئيس المجلس الانتقالي مصطفى عبدالجليل إن العملية العسكرية التي قامت بها حركة العدل والمساواة سنة 2008 داخل الأراضي السودانية كانت بتمويل وتسليح ليبيين.. وفي السياق ذاته صرح الرئيس أيضا أن الأذى الذي أحدثه نظام القذافي بالسودان كان هو الأكبر بين أعداء السودان جميعاً. ودعا الرئيس إلى إحياء برامج التكامل في المجال الاقتصادي وتوصيل الطرق البرية بين البلدين، وإلى ضرورة تأمين الحدود بين البلدين. بدوره قدّم رئيس الوزراء الليبي الكيب إلى الرئيس البشير الشكر على دعم الثورة الليبية سياسياً وإنسانياً وأمنياً، بما في ذلك إرسال الأطباء السودانيين إلى ليبيا للمساعدة في علاج الجرحى. كما أشاد بالدور الذي لعبه السودان في إصدار جامعة الدول العربية قرارها بالاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي. وأكد الكيب حرص السلطات الليبية على دعم وتطوير العلاقات مع السودان في كل المجالات والأصعدة السياسية والاقتصادية والأمنية والوصول بها إلى آفاق أرحب. وشدد على أهمية الاستمرار في تنسيق المواقف السياسية بين البلدين في القضايا ذات الاهتمام المشترك في المحافل الإقليمية والدولية بما فيه خير ومصلحة الشعبين والبلدين. وأخيراً تبقى فاصل أخير في سجل العلاقات السودانية الليبية عقب زيارة الرئيس البشير لتحقيق التكامل بين البلدين وانتقاله من مرحلة الأقوال إلى مرحلة الأفعال.