كهربة المشروعات الزراعية حلم راود مزارعي الشمالية منذ أن تم تثبيت أقدام سد مروي وسط جنبات نهر النيل بمحلية مروي، فما إن يرفرف علم يرى المزارعون أن في رفرفته إشارة واقتراب لتحقيق حلمهم إلا وهرولوا نحوه كان ذلك في شهر أبريل من العام الماضي عندما طاف اتحاد المزارعين ممثلاً في رئيس الاتحاد ونائبه فطافا على جميع إدارات الزراعة بمحليات الولاية الخمس التي وصلتها خدمة الكهرباء وقد التقى وفد الاتحاد رؤساء المشروعات الزراعية وممثلي المزارعين وهم في ذلك مبشرين ومستبشرين بما سمّوه تكلل مساعيهم بالنجاح في عملية توصيل المشروعات الزراعية الصغيرة بالكهرباء، فتمثل خطاب اتحاد المزارعين لرعاياه فيما فحواه «أيها المزارعون الشرفاء لقد جئناكم من سبا بنبأ يقين، كيف لا وأنتم الصابرون القابضون على جمر فاتورة الجازولين المرهقة والمرتفعة عامًا بعد عام بعد أن تم رفع الدعم من الدولة على الجازولين الزراعي، أما نحن فهاهي مساعينا تكلل بالنجاح فقد استطعنا أن نقنع الجهات ذات الصلة بتوصيل الكهرباء للمشروعات الزراعية بأقل تكلفة وقد فاجأتنا هذه الجهات وبكرم حاتمي بتوصيل الكهرباء لمشروعاتكم مجانًا فقط عليكم تحمل تكلفه العداد والتي لا تزيد على «900» جنيه، أما غير ذلك فسوف تتحمله عنكم حكومتكم الرشيدة، كيف لا «وأنتم ما إن قيل لكم ادفعوا في شيء لم تترددوا قيد أنملة فقد ظللتم تدفعون في خراج الأرض وأطيان النخيل ورسوم ترحيل الفواكه وإيجار الطلمبات النيلية سنويًا وما إلى ذلك فما كان شيء من أمر الدفع إلا وكنتم سباقين» فهاهي حكومتكم تكافئكم على حسن صنيعكم وليس لدينا غير شرط واحد لنقدم لكم هذه الخدمة التي يسيل لها لعاب الأعداء قبل الأصدقاء، أما شرطنا أيها المكتوون بنار ارتفاع المدخلات الزراعية العالية فهو أن يتقدم كل صاحب مشروع بملء استمارة ويقوم بتوريد «مائة» جنيه فقط، وهذه المائة هي أولاً لتأكيد الجدية ومن ثم لمعرفة العدد الحقيقي للمشروعات الصغيرة بالشمالية، ولقد لاحظت «الانتباهة» في ذلك الوقت تدافع أعداد كبيرة من هؤلاء أمام البنوك من أجل توريد المبلغ نظرًا لأنه تم تحديد فترة الدفع بأسبوع فقط كما أن الكثير منهم دفع لأكثر من مشروع أي أنه سحب أكثر من استمارة ,ولكن فإذا بالخطاب بعد أكثر من أربعة أشهر والمزارعون يتهيأون لدخول الموسم الشتوي يتغير إلى الآتي «أيها المزارعون نأسف لعدم تمكننا من تحقيق حلمكم وإننا ظننا أن الأزمة انفرجت ولكنها تحولت إلى زاوية حادة نعم، حدّتها تمثلت في أن الحكومة لا تستطيع أن توصل لكم مشروعاتكم مجانًا ومن أين تأتي لكم بالتكلفة وقد انفصل الجنوب وقلّت عائدات البترول وكلكم يعلم بالأزمة المالية العالمية وميزانية الدولة أيضًا «مجهجهة»، ومن أراد أن يسحب ما أودعه من مبالغ فليفعل»، نعم.. بعد أكثر من أربعة أشهر يتحول الحلم إلى سراب وتنقشع بذلك فرقعات الصابون التي أطلقها ممثل كيان المزارعين بالولاية، وبعد هذه المدة فما أُودع من أموال يرى كثير من الاقتصاديين أنها كفيلة بإنقاذ أكبر البنوك إذا أراد أن يعلن إفلاسه، فمن المزارعين من سحب أمواله ومنهم من ينتظر السراب وما بدلوا تبديلا.. فكيف يكون الدفع لتأكيد الجدية والمزارع يعلم أن التشغيل بالكهرباء أفضل بمليون مرة من التشغيل بالجازولين، وكيف يكون دفع الرسوم مقدمًا لمعرفة العدد الحقيقي للمشروعات الزراعية والحكومة لها من الموظفين والمختصين في هذا المجال مايسد عين الشمس، وبعد كل هذا اتضح للمزارعين أن تكلفة توصيل المشروع الزراعي الصغير هي حوالى «7» آلاف جنيه، إذن كيف تحولت تكلفة التوصيل من «مائه جنيه فقط إلى سبعة آلاف جنيه»؟ ويرى رئيس اتحاد المزارعين بالشمالية بابكر محمد حاج إدريس أنه بعد الزيادة التي طرأت على أسعار الجازولين تحركنا من أجل الإسراع في كهربة المشروعات الزراعية وبالفعل وبعد اجتماعات مكثفة مع الجهات ذات الصلة خرج توجيه بأن «تتحمل الحكومة إمداد الخط المتوسط والمنخفض على أن يتحمل المزارع تكلفة التوصيل من العمود» وحسب ما أعلنا فقد تم سحب حوالى «16» ألف استمارة غير أن تكلفة التوصيل هذه ارتفعت بعد ذلك من «372» مليون «بالجديد» ل«21» ألف مشروع إلى «462» مليونًا وذلك نسبة لما طرأ من زيادات في أسعار المواد وهذا هو السبب في عدم إنفاذ ما بشرنا به المزارعين إضافة إلى دخول ولايات أخرى في عملية «كهربة» المشروعات، كما أن الوضع الاقتصادي كان له أثر كبير في ذلك، غير أنه شدد على أن الاتحاد التزم للمزارعين بإرجاع أموالهم في حالة لم يتحقق ذلك مشيرًا إلى أن حوالى «80» بالمائة من أصحاب المشروعات قاموا بسحب أموالهم من البنك موضحًا أن ما تم توصيله بالكهرباء حتى الآن حوالى «892» مشروعًا وهذه بالنسبة للمشروعات التي لاتحتاج إلى محولات وهي قريبة من خطوط الكهرباء.