لواء ركن دكتور عمر النور أحمد النور مجلة الحامية العدد الأول نوفمبر 1958م القارئ الكريم... نتصفح (اتكاءة محارب)، كان وعدنا لك في العدد السابق أن نتناول جزءًا من نشاطات الحامية الثقافية.. في هذا الحيز من (اتكاءة) اليوم ننشر جزءًا من مجلة حامية الخرطوم يتمثل في كلمة التحرير.. وشخصية العدد وشهداء الحامية وهيئة تحرير العدد؛ لأن مساحة الاتكاءة لا تسمح بنشر ما جاء بالعدد كاملاً، العدد دسم ومليء بالمقالات الرصينة... وحقيقة العدد عبارة عن كتاب.. والذين قاموا بهذا الجهد من تحرير عرفتهم ساحات الثقافة وميادين المعارك ولقد تبوّأوا مناصب رفيعة بالدولة. هيئة التحرير حامية الخرطوم القارئ الكريم من نشاطات حامية الخرطوم (إصدارة مجلة حامية الخرطوم) التي صدر عددها الأول عام 1958م اخترنا لك منها هذه الشذرات... بقلم معالي الأميرلاي حسن بشير نصر رئيس تحرير مجلة حامية الخرطوم المحترم باسم الوطن وباسم جيشنا الفتي أود أن أهنئكم بمجهودكم الخاص بالقيام بالمحاولة الأولى الجريئة لتحرير أول مجلة عسكرية بالرغم من أعمالكم الأميرية المتعددة. إن هذه المجلة التي نتمنَّى لها كل نجاح وتوفيق، إن دلت على شيء فإنما تدل على الروح المعنوية العالية والاستعداد الجم نحو بلوغ أسمى الأهداف، وهي بلا شك تبرز في وضوح ميولكم لسلاحكم القوي. فيما يلي الردود على بعض الأسئلة التي وجهتموها لي باختصار: 1/ الغرض الأول من إنشاء حامية الخرطوم: عندما لاحت تباشير فجر الاستقلال عقب توقيع الاتفاقية المصرية الإنجليزية وأصبح من المقرر انسحاب جيش الاحتلال وجلاؤه عن الوطن الحبيب أمر المسؤولون بإنشاء قوة عسكرية ضاربة يكون مقرها الخرطوم (كي تحل مكان القوات الأجنبية المنسحبة) بقوة وتصميم لا يتسرب إليهما التقصير. 2/ كيف تم التكوين مبدئياً: لم يكن في الوقت متسع آنذاك حينما أعلنت الاتفاقية لتجنيد جنود الحامية من نفس المنطقة لذلك أمر سعادة القائد العام آنذاك الفريق أحمد محمد بالآتي: (أ) ينقل بلوك بيادة من كل من الوحدات الآتية ليكون بحامية الخرطوم: القيادة الغربية القيادة الوسطى وكذلك بلوك مساعدة من القيادة الشرقية، وأما رئاسة الأورطة فكانت من القيادة الشمالية. (ب) يكمل باقي القوة بالتجنيد المحلي من مديرية الخرطوم. (ج) وأما الألاي المدرع الذي تم تكوينه بالخرطوم فقد كان ذلك باستجلاب بعض ضباط الصف من سلاح المدفعية ورئاسة القوات بالقيادة الجنوبية وبانتخاب مواطنين يجيدون القراءة والكتابة وذلك تحت إشراف البكباشي (آنذاك) عثمان نصر عثمان. (د) وأما السلاح الجوي فقد كانت النواة الأولى له أولئك النخبة من الضباط الذين أكملوا تدريبهم الأولي بالجمهورية العربية المتحدة ووصلوا لبلادهم على متن الطائرات التي أهدتها لهم حكومة القطر الشقيق (ج. م. ع) ثم عززت بعد ذلك بالطائرات التي اشترتها حكومة جمهورية السودان من المملكة المتحدة. الصعوبات التي واجهت تكوين الحامية: عندما قرَّرت الحكومة إنشاء الحامية لم تكن هنالك سياسة خاصة بالتكوين وقد كان لبعد نظر القائد العام آنذاك خير العواقب إذ أنه جلب من كل من الوحدات جزءاً وبذلك وزع شرف حراسة عاصمة البلاد على كل القيادات وكانت نتيجة ذلك هي المثابرة والحماس والتنافس مما كان له أكبر الأثر في سرعة تطوير حامية الخرطوم. وأما بعض الصعوبات التي واجهت تكوين الحامية فكانت اقتصادية مثال ذلك توفير السكن للجنود وسبل الترحيلات من مقر العمل وإليه.. غير أن مثل هذه الصعوبات في طريقها السريع للزوال ولن يتأخر كثيراً الوقت الذي تنتهي فيه تماماً.. رمز الحامية الغرض من اختيار اللونين الأبيض والأزرق: هما رمز للنيلين الخالدين النيل الأبيض والنيل الأزرق اللذين تقع الحامية في ملتقاهما. لماذا انضم السلاح الجوي والألاي المدرع لحامية الخرطوم بما أن السلاحين كانا في طور التكوين، فقد رأى المسؤولون إسناد الإدارة والتدريب تحت قيادة موحدة وذلك لتوفير الجهود والتغلب على بعض الصعوبات التي تواجِه عادة التكوين الأولي ولكي تكون الأسلحة الثلاثة بما في ذلك البيادة مثلاً بالتعاون والتماسك في كل الأمور وعلى رأسها التدريب العسكري الموحد. لماذا لم يفكر في تكوين الحامية في عهد الاستعمار؟ كانت العاصمة بمثابة الرأس للجسد بالنسبة للاستعمار ففي العاصمة تمركزت السلطات على اختلاف ألوانها وكذلك القوى العسكرية الأجنبية التي كانت السند الأساسي للمستعمرين هذا ولم يكن من المعقول أو المتوقع قيام قوة وطنية عسكرية ضاربة في العاصمة في عهد الاستعمار وإذا طوينا السنين القهقرى يطالعنا عام 1924م بصفحاته الناصعة التي على إثرها بعثر المستعمرون القوات الوطنية العسكرية بعيداً عن العاصمة. وأخيراً وليس آخراً لست أراني في حاجة لأن أذكِّر الضباط والجنود بثقل العبء الموضوع على عواتقهم والمسؤوليات الجسام التي كانت وما زالت تنتظر من الجميع أسمى الجهود والتفاني والتضحية ونكران الذات وليكن شعار الجميع في حومة الوغى... (ليس عليّ في الممات عار *** ولكن العار هو الفرار) ولتكن روح الجميع عالية كهذه المعاني التي صدح بها أحد شعراء جيشنا: نحن جند كلنا نمضي سوياً ** نمهر العلياء ما فوق الثريا سوف نبني يومنا جيشاً فتيا ** يقهر الأحداث جباراً عتيا وختاماً أرجو للمجلة كل توفيق وتقدّم وسيروا للأمام والله معكم. كلمة رئيس التحرير مضى عام بين اليوم السابع عشر من نوفمبر 1958م واليوم السابع عشر من نوفمبر 1959م وفي هذا العام تبدلت أشياء كثيرة، فقد مضى عهد الفساد والمحسوبية وتعالى صرح قوامه الإخلاص والنظام والضبط والربط، وتنفس الشعب الصعداء، فقد ذهب إلى غير رجعة عهد الفساد والمفسدين. في هذا العام الواحد الذي لا يعد شيئاً في عمر النهضات والثورات انطلقت ثورتنا مندفعة موفقة لا يقف في طريقها أي عائق، فسنّت التشريعات لتنظيم الأداة الحكومية وردّت إلى المواطنين الشعور بالكرامة وحاربت الغلاء وألغت الأحزاب المتناحرة على حساب الشعب وأمانيه.. وهكذا فقد مزق نور الثورة الظلام الذي خيَّم على صدر هذا الوطن ردحاً من الزمن. وقد رأينا أن نسير في موكب البحث الكبير، وأن نهدي نبراساً يضيء بومضات دائمة لا تخبو، لتنطلق إلى أعماق جنودنا ضباطاً كانوا أو صفًا وعساكر فتكون لهم وبهم غذاء للروح أعدت لأعمال الحاضر والمستقبل.. وهديتنا هذه هي (مجلة حامية الخرطوم) التي نضعها أيها القارئ بين يديك فقد واصلنا العمل الليل بالنهار والنهار بالليل لنُخرج لك هذا العمل المتواضع الذي نرجو أن ينال رضاءك. أردنا بهذا العمل أن نثير النشاط الفكري بين الأوساط العسكرية وأن نوقظ الروح ونلهب الوعي ونشجع الثقافة العسكرية وأن نربط بين الجيش والشعب.. وهل هناك رباط أقوى من معرض الفكر وتداول المعرفة وتبادل الآراء؟. وهكذا فقد بدأنا هذا العمل وكلنا أمل أن نسير فيه قدماً بتأييدكم جميعاً وتوجيهاتكم ومقترحاتكم وأقلامكم. ورغبة منا في أن يجد الجميع بهذه المجلة من المواضيع ما يتناسب ورغباته لم نكتفِ بالموضوعات العسكرية من تكتيك وتطوّر الأسلحة والتنظيم والتسليح ومشكلات الشرق الأوسط والتاريخ العسكري وما إلى ذلك من موضوعات عسكرية بحتة، بل طرقنا وسنطرق باب الاجتماعيات كالخدمات الاجتماعية والرياضة والاقتصاد.. وها هو الأستاذ الكبير الدكتور سعد ماهر حمزة أستاذ الاقتصاد والماليات الذي ألَّف كثيرًا من الكتب الاقتصادية يقدِّم لنا بحثاً اقتصادياً مركزاً في عددنا الأول، وفي باب الأدب والشعر ننشر ما يصلنا من رياض الشعر العربي والقومي، ولم ننسَ باب الطرائف والبسمات فقد أخذ مكاناً من صفحات هذه المجلة. وفي باب (بريدي) الذي سيبدأ من العدد القادم سأجيب عن أسئلتكم ومقترحاتكم . ويجدر بي هنا أن أشير إلى أن جميع الآراء التي ترد في هذه المجلة لا تعبِّر إلا عن كاتبيها. كما نرجو من الذين يتكرَّمون بكتابة مقالات للمجلة أن تُرسل مقالاتهم مطبوعة على الآلة الكاتبة ومن صورتين وتحتفظ المجلة لنفسها بالحق في عدم نشر أي مقال دون إبداء الأسباب كما أن المقالات لا تُرد لأصحابها نُشرت أم لم تُنشر. هذا ولا يفوتني في هذه المناسبة أن نعتذر شاكرين لكل من لم يسمح ضيق المجال بنشر مقالاتهم القيّمة والتي ستجد فرصة أخرى في الأعداد القادمة إن شاء الله. وإننا نتقدّم بجزيل شكرنا وتقديرنا لكل من ساهم في إخراج هذه المجلة ونخص بالذكر الفنان الكبير الأستاذ محمد عثمان جودة الذي ساهم بفنه وجهده في التعاون معنا وله أكبر الفضل في خروج هذه المجلة إلى النور. قائم مقام عثمان نصر عثمان