قلت بالأمس إن المذكرة التصحيحيّة اشتغلت بالنوافل وتركت الحديث عن الفرائض أو القضيّة الأساسيّة المتمثلة في قيام المؤتمر الوطني باختطاف البوصلة التي كانت منصوبة نحو القبلة قبل أن يسرقها الابن الضال «المؤتمر الوطني» من الأم الهرِمة «الحركة الإسلامية» حين وزَّع الشيخ الترابي المصاحف على قيادات الحركة في يوم «العشاء الأخير» معلناً حلّها بعد أن قال لهم «شكر الله سعيكم» وذلك حتى تكفّ عن «مناقرته» ويخلو له الجو وينفرد بالرأي ويُصبح المرجعيّة العُليا والآمر الناهي الذي لا معقِّب على حكمه ثم ما لبث الخارجون عليه من أبناء الحركة بعد المفاصلة أن أيقظوها من نومها «الإجباري» ليس من أجل أن تُمسك بالبوصلة وتتولّى القيادة وإنما من أجل الاستقواء بها حتى لا تعود إلى قبضة الشيخ الترابي فكان أن قاموا باعتقالها داخل خزانة كئيبة وأبقوها جسداً بلا روح مثل جسد نبي الله سليمان المتكئ على منسأته وهو ميت بعد أن كان الجنُّ طوعَ بنانه!! أين تكمن المشكلة؟! فتِّش عن السلطة والثروة وفتِّش عن المدغمِسين المنبطِحين الذين تسنّموا مقاعد السلطة!! غُيِّبت الحركة الإسلامية عن الفعل والقرار بما يعني أن العمل السياسي بكامله مُنح للمؤتمر الوطني الذي كما أسلفنا نصّب رياك قاي في منصب نائب رئيسه متعلِّلين بوثيقة المدينة وكأنّ تلك الوثيقة قد نصّبت اليهودي كعب بن الأشرف نائباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يرأس أبابكر وعمر وعثمان وعلي وأُبعدت الحركة الإسلامية في علمانية مُدهشة فصلت الدعوة عن السياسة والدين «ممثلاً بالحركة» عن الدولة وظنّ قادةُ الحركة الإسلامية أن بقاءهم على قمّة المؤتمر الوطني «المدغمِس» كافٍ تماماً للحفاظ على استقامة البوصلة على القبلة ونسي هؤلاء أن مبدأ فصل السلطة الذي يُعمَل به في قضايا أقل خطورة يتعيَّن في هذه الحالة تحديداً أكثر من غيرها كونها حالة تتعلق بالوجهة والقبلة والهُويّة التي ما قامت الحركة إلا من أجل خدمتها تقرُّباً إلى الله رب العالمين وكما أن المراجع العام ينبغي أن يستقلّ عن أجهزة الدولة حتى يراقب أداءها المالي بعيداً عن أي تأثير أو ترغيب أو ترهيب وكما أن هيئات الرقابة الشرعية ينبغي أن تستقل عن إدارات المصارف حتى لا تخضع لسلطانها وتُصدر فتاواها وفق هوى المدير كان ينبغي للحركة أن تستقلّ عن السلطة التنفيذية وعن المؤتمر الوطني وليس مهماً أن يستقل المؤتمر الوطني عن الحكومة بقدر ما يهمّ أن تستقل الحركة الإسلامية عن الحكومة وأن تحدِّد وظيفتها بحيث تمثل المرجعية العليا للدولة ولستُ أدري لماذا تُحال الحركة إلى التقاعد وكأنّ مهمتها الأساسية أن تقاتل وتجاهد وتبذل في سبيل الوصول إلى السلطة ثم تسلمها إلى غيرها؟! الحركة الإسلامية التي أنشأت الحكومة والمؤتمر الوطني ينبغي أن تكون لها السيادة عليهما ولا ينتهي دورُها بتسلُّم السلطة وتسليمها وحتى لا يحدث التضارب بينها وبين المؤتمر الوطني ينبغي أن يُحدَّد دور كلٍّ منهما بما لا يُبعد الحركة عن السياسة ولعلّ تجربة المرشد الروحي للثورة الإيرانية يكون مثالاً لما يمكن أن تلعبه الحركة في مسيرة الدولة ذلك أن المرشد الروحي للثورة في إيران لا يقتصر دورُه على المرجعيّة الفقهيّة وإنما يتجاوزُه إلى التوجُّه العام للدولة ولا ينبغي أن نخلط بين الحركة والحكومة بأي حال على أن تبقى الحركة مُمسكة بالبوصلة تكبح جماح الحكومة والحزب متى ما رأتهم حادوا عن الطريق ولا يسعُني أن أفهم ألّا يكون للحركة دور في مناقشة اتفاقية نيفاشا مثلاً بكل تداعياتها على مسيرة البلاد كما لا يمكن أن نقبل أن تظل الحركة بعيدة عن ملفات الفساد الذي استشرى وتمدَّد رغم ما يشكِّله من خطر على النظام الذي أنشأته والتجربة التي تصدَّت للنهوض بها حتى لا تُحسب على النظام الإسلامي الذي ينبغي أن تحرص على إبقائه نظيفاً خالياً من العيوب التي يمكن أن تقدح في صلاحيته لقيادة مسيرة الحياة.