- والحبلُ على الغارب.. و«بدعة» حفلات التخريج هذه تتم بمباركة الجامعات وإشرافها المباشر، وحين تُلبِّي الدعوة بسذاجةٍ وبراءةٍ لحضور حفل «تخريج»، وأنت تظُنُّ أن الأمر مثل «زمان» حيث وقار العلم والعلماء، ورصانة المناسبة، حين تفعل ذلك غافلاً عمَّا جرى تحت الجسر من ماءٍ موبوء، فإنك سوف تصاب بالذهول وأنت ترى الفتيات «الخريجات» خصوصاً، دع الفتيان، يقطعن المسافة بين مجالسهن وبين منصة التخريج، رقصاً على أنغام موسيقى مختارة لكل منهن.. وقد لبست بعضُهُن ما تلبسُهُ «الراقصات أولئك» و«لوحات الحنَّاء» تُزيِّنُ النصف العاري من الجسد الفتي!!.. تحمدُ الله الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سواه على أنك رأيت ذلك قبل أن تتورط بالموافقة على «تخريج» ابن لك أوابنة، بهذه الطريقة.. ولا تعجب حين ترى بعض «أساطينهم» يهرفُ بما تم إنجازُهُ في بناء «المشروع الحضاري» .. ألم تر أن تخريج عفواً، أعني وداع بعض الوزراء السابقين، يتم بالغناء والموسيقى والرقص !!.. اقرأ أخي هذه الرسالة من الأخ الأستاذ، الكاتب والمخرج التلفزيوني الموجوع، مجاهد النعمة، حتى تُدرك ما بلغهُ «مشروعنا الحضاري» من نجاح !!.. أخي علي يس.. تباكينا سابقاً في هذا العمود كما تباكى غيرنا من الكتاب والصحافيين على اندثار وقرب انتهاء العادات السودانية القديمة والتي ظلت تمثل وعلى مدى حقب وأزمان طويلة تقاليد موروثة ومورّثة مثلت في فترات كثيرة أعرافاً وقوانين واجبة التنفيذ، يسري مفعولها على الجميع، حتى أصبحت من الثوابت التي لا تتغير وإن تغيرت فيها طرق التنفيذ، خاصة فيما يتعلق بالزواج في السودان. ولكن بعد دخول نفايات «العولمة» و«الحضارة» تغير معها حال الزواج كثيراً من خلال استجلاب بعض العادات الأجنبية الشرقي منها والغربي على حد سواء إلى جانب البذخ والأشياء التي تحتاج إلى صفحات حتى يتم عرضها، إضافة إلى دخول عصر الصالات وأكلات ال«مِسد كول» «الكوكتيل، حليل زمن الصينية»، ولا أظن أن محدثي الذي أذاع لي البشرى ودون قصد منه يعيش معنا في هذا العالم إلا بجسده، أو أن الحضارة لم تتكرم وتأت إليه كاملة، كحال هاتفه النقال.. يصله جزء من الرسالة والباقي عبارة جزء من النص مفقود!!.المهم بالأمس القريب كان تخريج ابن صاحبي من الجامعة «لمن لا يعرفونني .. قلت ابن صاحبي ولم أقل ابن زميلي ودفعتي، ما شاء الله أنا لسه في السوق»، دخلنا أنا ورفيقي المذيع محمد اسحق عثمان ليستضيفه في برنامجه التلفزيوني البديع والناجح «صدى الأقلام» فوجدناه ممسكاً قلمه بيد، ويتكئ على وجهه بالأخرى وأمامه ورقة لم ترحمها سِنّة القلم من الشخبطة واللخبطة، وكأنه يرسم في ظلام ليل دامس، وتقاسيم وجهه تنفث الزفرات في آخر الليل وكلها استفهامات ومعادلات تنظر في أصل المسألة وأظنه قد دخل في غيبونة! قال لي مرافقي: دا مالوا؟ لكنه سمع فقال: انتو بالله هي بقت كده جد جد؟ قلنا سوياً: هي شنو؟ قال : البلد! قلت : يا ساتر! أستاذ انت مالك الليلة في شنو؟ قال: أنا لو عارف التخريج كده كان تنازلت من شهادتي لي ولدي وعرست ليهو.. نفس الخسارة، ونفس الشيء في كل شيء! مرافقي: يا أخوي أنا مستعجل والبرنامج شكلوا راح نلغيه وهم مرافقي بالخروج وناداه صاحبي: دقيقة! وقام من مكتبه وتحرك من مكانه وهويقول: لا حول ولا قوة إلا بالله! ونحن نتابع مايحدث أمامنا باستغراب وترقب قال صاحبي انتو عارفين التخريج من الجامعة بقا كيف؟ قلنا كيف؟ قال: الحنة فيهو، الحبس فيهو، الشنطة فيهو، الكوافير فيهو، فطور الخريج فيهو، السيرة فيهو، الزفة فيهو، الحفلة فيهو، العشاء فيهو، الصباحية فيهو... «حتى قلنا ليته سكت»! فقاطعه مرافقي بعد أن خيَّل لنا أن أستاذنا سيعدد لنا حتى الصباح وفي عينيه دمعة لم يستطع منعها من النزول أثقلتها تلك الأحزان والأسئلة: يا أستاذ عارفين زي العرس لكن «طلع منو شهر العسل»؟؟ قلت: يا أستاذ مفروض تفرح لأنو كده عاداتنا وتقاليدنا رجعت تاني زي زمان، عليك الله موش دي بشرى؟ وكما يقول جارك الذي أنت على يمينه: انتو عارفين قلنا الحكاية دي لييييه؟ عشان الناس تعرف انت منو وانك دقة قديمة وافتكر الرسالة وصلت .. يا أُولي الأمر!!