قرأت عدداً من المقالات تحدَّثت عن الصين والهند بصفة خاصة، ركَّزت على أن الاعتماد على تقاليد شعبية وإبداعات شعبية في الإنتاج وتطوير تلك المنتجات الشعبية من شأنه أن يحلّ مشكلة البطالة ومشكلة الغذاء في نفس الوقت.. ووقفت عند كيف أن التكنولوجيا يتم تطويعها بصورة مبسّطة ومبدعة وخلاقة لخدمة الإبداع الشعبي في الإنتاج.. وأن الإنتاج في بعض دول الغرب وفي ريفها بالتحديد يقوم على تكنولوجيا مبسّطة لإنتاج سلع أساسية يحتاج إليها الإنسان مثل مصانع السكر الصغيرة ومصانع الزيوت الصغيرة ومصانع الصابون الصغيرة ومصانع منتجات الألبان كالجبن وغيرها.. وهي جميعها عبارة عن معامل بسيطة يتعامل معها الإنسان بإبداع لإنتاج احتياجات ضرورية لتغطية الحاجة المحلية بتكلفة معقولة بحيث تُباع بأسعار مناسبة للمواطن ومجزية للمنتج. الوضع عندنا في السودان يختلف في أننا تطلعنا لما هو مستورد بصورة مباشرة، حتى «الجلابية والعمة والطاقية والشال والسروال الطويل» التي هي زي سوداني خالص لا يشاركنا فيه أحد صرنا نستوردها من بلاد ليست لأهلها علاقة بتلك الملبوسات كالصين.. والصلصة نستورد معجونها من الخارج ونقوم بتعبئته أو نستوردها جاهزة معبأة، والأدوات المكتبية كالصماغة التي لا يمتلك غيرنا مادتها الخام «الصمغ» نستوردها من الخارج وكذلك المسطرة التي هي عبارة عن «خشبة عليها خطوط» نستوردها أيضاً.. والكثير الكثير الذي يمكن أن يُقال.. ولو أننا عملنا على توطين هذه الصناعات بالداخل لخلقنا فرص عمل للجميع ولتمكّنا من القضاء على الفقر وتحقيق الحد الأدنى المطلوب واللائق للمعيشة للفرد والأسرة.. إن توطين الصناعات الصغيرة وبعث الصناعات الشعبية مع تطويرها في مجال الأغذية والملبوسات والاحتياجات المختلفة من الكثير الكثير من السلع المستوردة من شأنه أن يشكل أساساً لتفجير الطاقات الشعبية وجعل الإبداع الشعبي بديلاً «للاستيراد الضار» حيث وصلنا لمرحلة استيراد الطماطم والبصل وبعض البهارات مع أننا الجهة التي يفترض أن تصدرها للعالم، فنحن يقال عنا إننا مؤهلون لأن نكون «سلة غذاء العالم» فلماذا نستورد غذاءنا من الخارج؟. نحن بحاجة إلى «ثورة في الفكر الاقتصادي».. ثورة تتجاوز النظريات المعلبة المستوردة من أمريكا وأوربا، وتبدع نظريات جديدة لتطوير اقتصادنا الوطني.. نظريات تقوم على الاستفادة من تجارب عالمية ولكنها تنسجم مع واقعنا ودرجة تطورنا، فهل يا تُرى يمكن أن يحدث ذلك!!.