كثير من الناس يميل لاستبعاد المشاعر والرغبات والأفكار من دائرة الشعور إلى اللا شعور وهذا ما يسمى علميًا بالكبت وهنالك فرق ما بين الكبت والصمت، فالكبت يعنى أن تكون راغبًا في قول أو فعل الشيء لكن هنالك من يحجّم عليك أقوالك وأفعالك.. سؤال طرحناه على شرائح مختلفة من المجتمع كان فحوى السؤال: إذا أُتيحت لك فرصة الصراخ بصوت عالٍ فماذا أنت قائل؟ كما ختمنا جولتنا بأهل العلم ليدلوا بدلوهم العلمي.. «أول من سألناه» كانت السيدة سعاد وهي «أم وربة منزل» ضحكت ثم أطرقت برأسها وقالت: لو أتيحت لي هذه الفرصة لصرخت بصوتي العالي في وجه زوجي المزواج وقلت له امرأة واحدة تكفي في زماننا هذا فزوجي متنازع ما بين زوجتين غيري أنا ولا يجد وقتًا لمجالسة أولاده خاصة وأنا (أم الوليدات) ويجب أن أكون صاحبة النصيب الأكبر من الرعاية والاهتمام والمصروف لكن..! محمد وأمين وعلى «طلاب في جامعة النيلين» أجمعوا على أنهم سيصرخون بصوتهم العالي لأهاليهم: «أن افهموا نفسياتنا» وفصّل محمد حديثه قائلاً: نحن نشأنا في أجواء غير التي نشأ بها أهالينا فالعالم في حالة تغير مستمر من حولنا ونحن يجب علينا مواكبة هذا التطوّر وإلا سنضيع في (الرجلين) وهنا التقط أيمن أطراف الحديث ليقول: مثلاً لأبي رأي في مكالماتي الهاتفية حتى مع زملائي وكثيرًا ما اضطر لإنهاء المكالمة حال دخوله فأنا غير راضٍ بل وأشعر بالحنق لكن لا مجال للنقاش فيما أختتم على حديثي معهم بقوله: سأقول لهم بالفم المليان دعوني وشأني فلم أعد طفلاً لكن بالطبع لا أستطيع قول هذا في وجه والديّ. محاسن تعمل «أستاذة» بإحدى المدارس الحكومية لخصت صراخها في كلمات وجيزة وهي: «يا شباب السودان همّوا للزواج من فتياتنا»! آخر محطاتنا كانت مع (اختصاصي في علم النفس) الأستاذ عادل بشير حيث أفادنا قائلاً: بما أنه هنالك سؤال مطروح فهذا يعني أن هنالك أشياءً مكبوتة والكبت هو عدم المقدرة عن التعبير عن المشاعر والأحاسيس والانفعالات والخبرات الحياتية ويكون لأسباب عدة منها ما هو متعلق بشخصية الفرد نفسه أي أن بها خللاً نفسيًا ومنها ما يتعلق بالتنشئة الاجتماعية.. من النادر أن يجد الفرد منا فرصة للتعبير عن دواخله خاصة في مجتمعنا السوداني فالطفل مثلاً عندما يبكي يكون في حالة انفعالية فمن المفترض أن نتح له فرصة للتعبير عن انفعالة؛ لأنه بالتأكيد هنالك ثمة شيء يجعلة متضايقًا وإلا لما بكى لكننا نعيب عليه البكاء خاصة إذا كان «ذكرًا» بقولنا (عيب الراجل ما ببكي) وحتى في أمثالنا السودانية هنالك مثل يقول (الصقر إن وقع كُتر البتابيت عيب)! فإذا تعرّض الفرد لمشكلة أو صدمة أو خبرة حياتية يجب أن نعطيه الفرصة للتعبير عن مشاعره ودواخله فالغالب على الشخصية السودانية كبت المشاعر وعدم التعبير عنها فالانفعال يحتاج للتعبير فإذا لم نعبِّر عن أشيائنا هذا يؤدي للأمراض النفسية ويؤثر على الجهاز الهضمي والبولي والتناسلي والطفح الجلدي أحيانًا فلا بد لنا من التفريغ أو التنفيس الانفعالي والذي نستخدمه الآن في الجلسات العلاجية؛ لأن الكبت يؤدي للقلق والاكتئاب والتوترات وأحيانًا للوسواس القهري فيجب علينا أولاً أن نعوِّد أنفسنا على كيفية التعبير عن مشاعرنا فلكل شخص أشياء خاصة به يحتاج أن يُدلي بها لصديق قريب ليفرّغ تلك الانفعالات، وبالنسبة للشباب التنشئة قائمة على الكبت ونحن الآن نعمل على تغيير هذا المفهوم فيجب على أي أب يقرأ هذه الإفادة عليه أن يفتح صدره لأبنائه للتعبير عن مشكلاتهم وانفعالاتهم، فكثير من المترددين على عيادة الصحة النفيسة نجدهم يبيحون للاختصاصي النفسي بأشياء لا يستطيعون البوح بها لأهاليهم، أما بالنسبة للأشياء التي حدثت وانتهت وأصبحت واقعًا فلا جدوى من التذمُّر منها حتى من ناحية روحية نحن كمسلمين نؤمن بالقضاء والقدر، أما من ناحية نفسية فهنالك ما يُعرف ب (التكيُّف النفسي) وهو بمعنى التأقلم مع الواقع.