يُحكى أنه في غابر الأزمان كانت هناك امرأة تكرم الجار وتُولِع النار وتكتم الأسرار وكانت إذا احتاج أحدهم للمساعدة هبّت لنجدته وكانت إذا ضاق الحال بأحدهم فرّجت عنه ضيقته، وكانت إذا تعرض أحدهم لحادث باشرته بالإسعافات الأولية وكانت تتبرع بأشيائها الثمينة وترسلها إلى أبعد الناس ولكن ..!! إذا دخلت إلى منزلها تجد أنها مقصرة تجاه أبنائها وتجد أن بيتها كالخراب وتجد أن منزلها آيل للسقوط... ومن هذا المنطلق ولدت الكثير من الأمثال الشعبية ولكن أقربها المثل «باب النجار مخلّع» الذي ينتشر وسطنا نحن السودانيين.. وكثيرة هي الحالات التي ينطبق عليها هذا المثل حتى على مستوى الدولة، فالعالم أجمع يصرخ بمقولة «السودان سلة غذاء العالم» وأراضينا الزراعية تشكو الإهمال، وكل خبراء كرة القدم يجزمون بأن اللاعب السوداني يتمتع بمهارات عالية ونحن مازلنا نفرح لهزيمة فريقنا القومي من ساحل العاج بهدف ونحتفي بذلك، والمشروعات الزراعية تملأ أرض السودان في كل ولاياته وخريجو الزراعة في بلادي أرهقتهم رحلة البحث عن عمل حالهم كحال الكثير من خريجي السودان الذين وفقوا أوضاعه بالعمل التجاري وشهادات الهندسة تعلق على الحائط، ومهندسو النفط يقودون الركشات وشهاداتهم علاها الغبار وكذلك حال خريجي كليات الزراعة الذين يبحثون عن العمل وعشرات المشروعات الزراعية تشكو الإهمال، ولا أدري لماذا تغض وزارة التنمية البشرية البصر عن إيجاد وظائف لهذه الشريحة الهامة التي بإمكانها تطبيق العلم في العمل الزراعي من أجل سودان أخضر يسيطر على الأسواق العالمية؟ ولماذا تهمل وزارة الزراعة هذه الشريحة الهامة وهي في أشد الحاجة لما تعلموه في قاعات الدراسة؟ ولماذا يلفظ السودان أبناءه بعيدًا لتستفيد منهم الدول الأخرى؟ إن الكثير من الدول العربية تطلب خريجي السودان ليعملوا بها وتنميتها ودفع اقتصادها ومسئولو السودان يتفرجون، وهذه الهجرة للخارج ترفضها الكثير من الأسر خاصة إن كانت المهاجرة من الجنس اللطيف كما رفضت أسرة الخريجة نشوى عثمان سفرها للعمل في مجالها الزراعي رغم إغراءات المرتب من إحدى دول الخليج، وحفيت قدماها في البحث عن وظيفة في أرض السودان الخصبة وهي التي لها من الشهادات ما يؤهلها لإدارة أكبر مشروع زراعي، وأصبحت الآن في حيرة من أمرها، ففي يدها شهادة عُليا في الزراعة وأسرتها ترفض هجرتها ووالدها خدم الدولة بما أوصله للتقاعد، وهذه الدولة تعجز عن توظيفها، فهل تتحقق رغبة نشوى ورصفائها في إيجاد وظائف في عهد الجمهورية الثانية؟ أم يستمر تخليع باب النجار؟