{ إذا كان السيد الصادق المهدي يريد مقاضاة من زعم أنهم كفرّوه دون محاكمة، فإن السؤال من هم هؤلاء الذين يريد مقاضاتهم؟! لأن المعلوم هو أن هناك من طالب بمحاكمته أمام القضاء في ما أطلقه من تصريحات بشأن صلاة المرأة ومشاركتها في مراسم عقد الزواج وتشييع ودفن الموتى. وكان المطلوب من السيد الصادق المهدي أن يستجيب لمحاكمته من أجل المصلحة العامة، فيكسب القضية وتجاز بذلك «فتاواه» ولا يفوت عليه أن هذا يبقى من صالحه وصالح الأمة الإسلامية التي يريد أن يصحِّح لها دينها، نعم إن الحقيقة هي المطالبة بمحاكمته وليس تكفيره، فمن كفّره؟! إذا كان الإجابة هي «الرابطة الشرعية» فإن هذه الرابطة طالبت فقط بمحاكمته وتشهد لها بذلك بعض الصحف.. وإذا كان السيد الصادق المهدي لم يستجب لمطالبتها بمثوله أمام القضاء، فليته يلجأ هو إلى القضاء شاكياً. إن الصادق المهدي قال: «إن تقاعَسَ القضاء أو عجِز فسوف نتصدّى لهم حتى ننتصف منهم لأن خطرهم على الإسلام والسودان صار واضحاً». أولاً إن القضاء السوداني الذي يحكم وفق الشريعة الإسلامية لا يمكن أن يتقاعس ويعجز عن الدفاع عن أصول دين الإسلام الذي يمثله القرآن والسنة النبوية، ولا يمكن أن يجيز الاعتداء على أحكام الإسلام، ومعلوم أنه في فجر الإسلام لم تقف السيدة عائشة والسيدة فاطمة والسيدة حفصة في صف الصلاة الأوّل بالمسجد النبوي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلف خليفته أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولم يُشركن في مراسم عقد الزواج أو تشييع الموتى أو الصلاة عليهم أو دفنهم. ويجدر ذكره هنا أن الصحابة رضوان الله عليهم بعد أن فرغوا من دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفته التي أدخلها فيما بعد الخليفة الوليد بن عبدالملك بن مروان في المسجد النبوي وعاد منها سألتهم ابنته السيدة فاطمة رضي الله الله عنها قائلة: «هل هان عليكم أن تدفنوا أبي؟!» .. وكان سؤالها بالطبع نابعاً من مشاعر الحزن الشديد. وهذا دليل على أنها لم تُشرك مع الرجال في دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فمن أتقى من السيدة فاطمة والسيدة عائشة وكل الصحابيات من نساء هذا العصر؟! إن الخطر على السودان والإسلام يأتي من اتفاقية سيداو مثلاً، لكنه لا يأتي من المعلوم من الدين بالضرورة.. لا يأتي من أحكام الإسلام تجاه المرأة.. إن الخطر يأتي على الإسلام من الطائفية سواء في السودان أو بعض الدول العربية وغير العربية.. ولذلك لا بد من اللجوء إلى المحكمة والمثول أمامها حتى يتبين للناس الحق دون تأثير «الطائفية».. ولذلك ندعو السيد الصادق المهدي أن يلجأ إلى القضاء حتى نستريح من المغالطات. عليك الله أمشي المحكمة!! طفولة الحركة الشعبية { لأن الحركة الشعبية التي تحكم دولة الجنوب بنتيجة انتخابات سخيفة كما كان يراها المراقبون ويرفعون حاجب الدهشة، ليست جديرة بأن تدير مشكلات مقاطعة داخل ولاية دعك من أن تدير أزمات «دولة»، فلا يمكنها أن تستطيع معالجة قضية مع دولة أخرى جارة مثل السودان. وكان يبدو أن ترددها في قمة أديس أبابا التي جمعت رئيسها برؤساء السودان وإثيوبيا وكينيا لا علاقة لها بمصلحة شعب جنوب السودان العليا.. كيف؟! كان موضوع القمة هو التوصل إلى تقدم في ملف النفط بين السودان ودولة جنوب السودان.. وبعد انفضاض سامر انعقاد القمة التي استمرت لأربع ساعات أو أكثر، خلص الرؤساء إلى اتفاق إطاري صلاحيته لا تزيد عن شهر واحد ليكون مرحلة ضرورية قبل وقت الاتفاق النهائي بشأن قضية النفط الذي يستخرج في دولة جنوب السودان ويُصّدر إلى السوق العالمية عبر جمهورية السودان.. فماذا حدث بعد ذلك؟! وافق رئيس دولة الجنوب سلفا كير على الاتفاق الإطاري كما وافق رئيس السودان البشير.. لكن سلفا كير نقض موافقته بعد أن تلقى مكالمة تلفونية، يبدو أن أحد النافذين بحكومته أو أحد أصدقاء الحركة الشعبية الأجانب بما فيهم إسرائيل أوعز له بألّا يوافق أو أن يتراجع إذا وافق بالفعل. لكن لمصلحة من كان قد وافق سلفا كير ابتداءً، ولمصلحة من تراجع عن الموافقة؟! إن الأجدر بالثوار الجنوبيين أن يضيفوا إلى قائمة أسباب ثورتهم ضد حكم الحركة الشعبية في جوبا هذا التلاعب بمصلحة الشعب. تمر دولة الجنوبالجديدة بأزمات أمنية واقتصادية واجتماعية حادة، لكن حكومة جوبا في هذا الوقت الحرج تعتبر أن أزمتها مع الخرطوم هي الأهم وهي التي في مقدمة الأزمات الداخلية، ما يعني أن الحركة الشعبية هناك لا تمثل الشعب الذي ينتظر منها تقديم الحلول الذكية لما يواجهه من مشكلات كبيرة تتصل مباشرة بحياته وتغرس في نفوسه المخاوف من مستقبل قد يكون أسوأ من الحاضر ما دامت الحركة الشعبية تسيطر بالقوة العسكرية على البلاد. السودان وافق على التوقيع على الاتفاق الإطاري على مضض إذ أنه أبدى ملاحظاته على بعض بنوده، وكان يمكن أن يرفض التوقيع بحجة أن له ملاحظات، لكن لا مفر من المسؤولية الوطنية التي تضعها الحكومة السودانية على عاتقها، ولذلك كان لابد من أن تسهم في معالجة أزمة يتضرر منها الشعب ولو إلى حد ما. إن أي تفاوض يلزم الأطراف ببعض التنازلات، لكن المؤسف جدًا أن الحركة الشعبية قبل التوقيع على اتفاقية نيفاشا عام 2005م تعودت على ألا تتنازل عن شيء وأن الطرف الآخر هو الذي يجب عليه أن يتنازل عن كل شيء.. تعودت على هذا وكأنها طفلة وحيدة أمها وأبيها تجد منها التدليل. وها هي الآن على عادتها القديمة تظن أن تدليل ما قبل عام 2005م يمكن أن تجده من حكومة الخرطوم الآن حتى بعد الانفصال وبعد أن أصبحت تحكم «دولة» لكنها تثبت عدم جدارتها بتحمل هذه المسؤولية، فهي نهب للقوى الأجنبية الخادعة.