منذ بداية الألفية الجديدة ونيجيريا تعيش دوامة من العنف والصدام الطائفي تسببت في إزهاق الآلاف من الأنفس، وهيأت أرضية خصبة للمزيد من التدخلات الأجنبية في القارة السمراء.. بل وقادت في نهاية المطاف متزامنة مع كثير من المتغيرات على الساحة الدولية والإقليمية إلى إحداث تغيير نوعي في طبيعة هذه التدخلات، حيث أدت في نهاية الأمر في العام الثامن من الألفية الجديدة إلى إنشاء قوات «الأفريكوم» الإفريقية كقوات بديلة للتدخل الأجنبي في النزاعات والاضطرابات التي تنشأ في أو بين الدول الإفريقية.. ونيجيريا تضم ما لا يقل عن ثلاثمائة مجموعة عرقية مختلفة الثقافات والديانات غير أن كبرى هذه المجموعات تتمثل في قبائل الهوسا في الشمال شبه المسلم بالكامل، واليوربا في المناطق الجنوبية نصف المسلمة، والأيبوا في الجنوب الشرقي المسيحي.. وهي أكبر الدول الإفريقية مساحة وسكانًا حيث يبلغ عدد سكانها ما لا يقل عن مائة وستين مليون نسمة أغلبهم من المسلمين الذين وبحكم تقسيمات تاريخية قديمة رسمها الوجود الأوربي في المنطقة انحصر وجودهم الفعلي في الشمال كما أسلفنا مع وجود أقل في المناطق الأخرى.. دخل الإسلام إلى نيجيريا عن طريق التجار القادمين من الشمال حيث انتشر بشكل هادئ في كل البلاد عدا المنطقة الشرقية.. وشهدت نيجيريا حضورًا إسلاميًا طاغيًا بإقامة دولة إسلامية كبرى في الشمال على يد «عثمان دانفوديو» استمرت حتى مطلع القرن الماضي حين قضت عليها القوات البريطانية بعد صراع طويل، وفي منتصف الأربعينيات قسّمت بريطانيا نيجيريا إلى ثلاثة أقاليم شمالي وغربي وشرقي.. حيث يرتبطون بجمعيات استشارية مع الحكومة المركزية في لاغوس ومن ثم في منتصف الخمسينيات، أي بعد عِقد من الزمان تقريبًا، منحت هذه الجمعيات بمقتضى دستور جديد مزيدًا من السلطة جعل نيجيريا دولة اتحادية.. ثم وبعد ثلاث سنوات تم تنصيب أول رئيس للاتحاد وتم إعلان استقلالها عن التاج البريطاني في العام الستين من القرن الماضي. لم تهنأ نيجيريا بالاستقلال كثيرًا حيث اشتعلت فيها حرب بيافرا في العام السابع بعد الستين من الألفية الماضية وهي سميت اصطلاحًا حربًا أهلية ذلك لأنها في حقيقتها لم تكن سوى تمرد قادته ولايات الجنوب الشرقي في نيجيريا بدوافع توترات يختلط فيها العرقي بالديني بالثقافي بالاقتصادي ضد حكومة المركز لإقامة دولة «بيافرا» والاستقلال عن الدولة الاتحادية والتي استطاعت وبدعم إفريقي أن تسيطر على التمرد وتحرر الأراضي التي وقعت تحت سيطرته، ومن ثم إعادة الأمور إلى نصابها، ولكن بعد حروب طاحنة استمرت ثلاث سنوات إلا قليلا.. ومنذ بداية السبعينيات تاريخ انتهاء حرب بيافرا، مرورًا بتمرد الثمانينيات وحتى بداية الألفية الثالثة ظلت التوترات العرقية والطائفية والدينية تناوش الدولة النيجيرية وتقعد بها عن اللحاق بركب التطور شأنها في ذلك شأن معظم الدول الإفريقية، بل ومعظم الدول المصنفة كعالم ثالث.. إلا أن كل ذلك كان شيئًا ما يحدث منذ بداية الألفية وحتى الآن هو شيء آخر، برغم أن الدوافع تكاد تتشابه في الحالين إلا أن الأسلوب اتخذ منحى تغلب عليه الرغبة في إنهاء كثير من الأمور التي ظلت عالقة منذ سنوات، بل وعقود. فمنذ مؤتمر تنصير العالم الذي انعقد بكلورادو في نهاية السبعينيات وقعت نيجيريا في خضم سيناريو كان يفترض أن يؤدي إلى تنصيرها بالكامل بحلول الألفية الثالثة.. إلا أن كثيرًا من العوامل ساعدت في إعاقة هذا المخطط الكبير والذي يستهدف العديد من الدول التي تعتبر بوابات للعوالم من ورائها كمثل السودان وغيره من الدول الموضوعة على القائمة، غير أن الفشل الذي أدى إلى عدم تنفيذ المخطط كاملاً قد تداخل مع مستجدات طرأت على الساحة الدولية، وقادت للسيطرة الأحادية على العالم في أعقاب انهيار المعسكر الشرقي، وأيضًا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي أصبحت علامة فارقة تاريخيًا وسياسيًا، ومنذ بداية الألفية دخلت نيجيريا في ما يمكن أن نطلق عليه عقد الصراعات والصدامات الطائفية والعرقية الكارثية، وفي تزامن ذي علاقة بكل شيء تم نشر تقرير سياسات الطاقة القومية لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني والذي يصف نيجيريا بأنها المصدر الأسرع نموًا لاحتياجات الطاقة الأمريكية، ثم بعد عامين فقط أُقيمت ندوة «النفط الإفريقي وأولوياته الأمنية للولايات المتحدةالأمريكية» والتي عُقدت بمدينة لاغوس حيث أكد فيها مدير المعهد الأمريكي للدراسات الإستراتيجية المتقدمة أن الأرقام الإحصائية الصادرة عن الإدارة الأمريكية لشؤون النفط والطاقة تؤكد عمل كل الترتيبات لرفع نسبة الاستيراد الأمريكي من النفط الإفريقي إلى «05%» من مجموع النفط المستورد بحلول العام «5102» حيث أعقب ذلك في العام «5002» دراسة لوزارة الدفاع أمَّنت فيها على أن نيجيريا ستكون فتيل الأزمة النفطية الثالثة التي تضرب أمريكا، ومنذ ذلك الحين تزايدت الدراسات الرسمية حول مصادر الطاقة في إفريقيا وخاصة خليج غينيا الغني بالنفط والذي يمتد بين أنجولا ونيجيريا، بما في ذلك حزام النفط الذي يمتد من دارفور وحتى نيجيريا وغانا والنيجر في العمق الإفريقي، ومنذ ذلك التاريخ أيضًا بدأت تحولات عميقة الجذور في طبيعة الصراع في نيجيريا وكثير من الدول الإفريقية.