أثارت قصة بيع بترول دولة الجنوب خاماً للدول الدائنة لحكومة السودان، الضحك والسخرية من العقلية والجهل الفاضح الذي تحدث به السيد أتيم قرنق عضو برلمان الجنوب، ونائب رئيس المجلس الوطني عندما كان الجنوب جزءاً من السودان، الرجل حتى في دولته التي يحلم بها وضعوه في الصفوف الخلفية، ولم يتكرموا عليه حتى بمنصب نائب رئيس البرلمان الجنوبي في عهد الآباء المؤسسين لدولة الجنوب. وقال أتيم وجهات أخرى في الجنوب إن الترتيبات تجرى لهذه الخطوة، حيث يُباع بترول الجنوب خاماً في آباره وتقوم الدول المُباع لها وهي دائنة للسودان بالضغط على حكومة السودان، لتصديره دون رسوم أو أية تكاليف أخرى مقابل دينها على السودان. وهذا يعني أن حكومة الجنوب تريد بيع البترول في آباره قبل عمليات المعالجة والتكرير والنقل وغيرها من الطرق المتبعة في تصدير النفط، وتقبض ثمنه وتترك للدول الدائنة التي يُباع لها السمك في البحر والطير في الهواء، عملية معالجته وضخه في مواعين التجميع ثم نقله للمصافي للتكرير أو تصديره عبر الأنابيب من حقوله لميناء التصدير. وتتوهم عقلية أتيم قرنق وعبقريته ومن معه من أصحاب الخيال الجامح في الدولة الوليدة، أن دولاً دائنة للسودان، مثل الصين التي لها ديون على السودان، ستشتري هذا البترول الخام، ويقوم وفد كبير من الصين بالقدوم للخرطوم للضغط عليها للسماح لها بأخذ بترولها الخام الذي اشترته من دولة جنوب السودان، مقابل هذه الديون، وترضخ حكومة السودان لذلك وتكظم غيظها وتذعن وتمعن في تجرع كأس السم الذي سقته لها حكومة الجنوب. هذا التفكير الساذج الذي يعبر عن حقد دفين على الشمال، دليل جهل بالعمليات التسويقية المتبعة في العالم لبيع البترول وخاصة الخام منه، وجهل أيضاً بالعمليات الفنية المعقدة لاستخراج البترول من آباره ومراحل معالجته من المواد العضوية ثم ضخه عبر الأنابيب لتكريره في المصافي أو تصديره خاماً بعد عمليات مختلفة ليست بالأمر بالسهل الذي يتصوره أتيم قرنق في مراراته وأحقاده. وإذا حاولت حكومة الجنوب ذلك فبكم تبيع برميل النفط الخام؟ وكيف تحسب هذه الدول الدائنة للسودان وشركاتها عملية نقله وتصديره، وهل الأسعار التي يتفق عليها لبيع بترول الجنوب خاماً ستكون مرضية لحكومة الجنوب نفسها وترضي الطرف الآخر الذي يعلم أنه لا يوجد ما يُسمى أو يبرر نكتة الدين مقابل التصدير بلا رسوم؟! الشيء الثاني الذي لا تعلمه بعض الجهات الموتورة في حكومة الجنوب، أن زيارة الرئيس الأخيرة للصين وهي أكبر شريك في بترول دولة الجنوب والسودان، تمت فيها تسوية الديون الصينية على السودان، وتم الاتفاق على كيفية معالجتها، زائداً أن الصين نفسها في زيارة الرئيس البشير لها في نهاية يونيو الماضي، تبرعت بنصيبها من البنزين في مصفاة الجيلي للسودان، وتركت مسألة الكمية من البترول الخام التي كانت تصلها من الشمال لتسديد الدين لمناقشتها في وقت لاحق، وتم توقيع اتفاقيات نفطية وتعدينية وزراعية مع السودان بما يفتح مجالات تعاون اقتصادي كبير مع السودان، فيه من البشارات النفطية ما لا تتصوره حكومة الجنوب التي تنفث حقدها الأعمى على الشعب السوداني كله؟ فهذا الخيار الساذج الذي يتحدث عنه أتيم قرنق وبعض قيادات الحركة الشعبية هو وهم صفري كبير، وإذا ما نظرنا إلى تصريحات هؤلاء الموتورين فإننا نلحظ أن الترتيبات التي يعملون من أجلها وخطتهم البائسة تهدف كما قيل «لعدم استفادة الشمال من عائدات النفط نهائياً»، لا سيما عقب الوصول لطريق مسدود في مفاوضات أديس أبابا حول القضايا الاقتصادية. وعلى حكومة الجنوب أن تعلم من الذي يمكن أن يؤذي الآخر اقتصادياً، ففي السودان بترول يغطي حاجته ولديه موارد أخرى وصادرات غير بترولية، لكن على ماذا يعتمد اقتصاد الدولة الجديدة في الجنوب؟ على البترول فقط؟ فماذا عن الجوانب الأخرى؟! من سيخنق من؟