حينما تفرض الملكة الإبداعية نفسها بقوة يبدأ صاحبها بالوقوف قليلاً حتى يستوعب ذلك، بعدها ترغمه الظروف من حوله على الكتابة فيسطر خواطره التي بدت له، والتي ربما تحولت الى عمل ابداعي ما ، فلا شك ان لكل اديب بداية انطلق منها ابداعه، فأولى الاعمال الابداعية للكاتب ربما تحدث له نقطة تحول تعمل على تسجيل اسمه في قائمة المبدعين ليبقى الكاتب مديناً لاولى اعماله طوال مسيرته الابداعية .. لكن ولربما كانت هذه البداية هشة لا ترضي طموحات الكاتب ولذا لم ترَ النور . اذن وفي كلتا الحالتين: ما مصير الاعمال الاولى للادباء، وماذا تعني للكاتب، هل تُعتبر «شخبطات» ليس إلا، أم أن لها قيمة ومعنى، وهل وجدت آنذاك تقييماً نقدياً وبفضل ذلك نُشرت؟؟ «نجوع» طرحت جملة هذه الاسئلة لعدد من الادباء الذين سردوا تجاربهم الاولى: مدخل: كانت رواية «بداية ونهاية» أول عمل لنجيب محفوظ يحول إلى السينما على يد المخرج صلاح أبو سيف، وكتب السيناريو صلاح عز الدين. فرغم كونه كاتباً سينمائياً محترفاً من الطراز الأول لم يشارك نجيب محفوظ في كتابة السيناريو لأي عمل سينمائي مأخوذ عن رواية له. وكان أول عمل لغارسيا ماركيز قصة «بحار السفينة المحطمة» حيث كتبه حلقات متسلسلة في صحيفة عام 1955م. وكان هذا الكتاب عن قصة حقيقية لسفينة كولومبية غرقت بسبب إفراط في التحميل والوزن، وعملت الحكومة على محاولة درء الحقيقة بإدعاء أنها غرقت في عاصفة. وسبب له هذا العمل عدم الشعور بالأمان في كولومبيا، حيث لم يرق للحكومة العسكرية ما نشره ماركيز، مما شجعه على بدء العمل مراسلاً أجنبياًَ. ونشر هذا العمل في 1970م، واعتبره الكثيرون من الحب والعنف . ثقة: استاذة ملكة الفاضل قاصة اوضحت في حديثها مع نجوع ان اولى اعمالها الادبية كانت عبارة عن قصة قصيرة تحمل اسم «العريس» تم نشرها في صحيفة «الخرطوم» عام 1996م، اذ تعتبر هذه القصة عملاً موفقاً سيما أنها تقول إنها تعني لها الكثير، واعطتها ثقة بالنفس وحماساً للكتابة ومن ثم النشر، وكتبت قبلها مقالات نُشرت في صحف متفرقة، الا ان القصة التي كتبتها كان لها وقع خاص في نفسها بحسب رأيها، ووجدت وقتها تعليقات شفهية الا انها لم تحظَ بتقييم نقدي وقتها، بل وجدت تحليلاً بعد فترة طويلة، وذلك حينما كتب عنها الأستاذ خلف الله محمد القاص والناقد المعروف في مؤتمر بالقاهرة. «حدث في القرية» الدكتور إبراهيم إسحاق كاتب روائي سرد لنا تجربته الاولى مع الكتابة، اذ قال فيها: كان ذلك في عام 1969م، وانا في معهد المعلمين العالي كنت قد كتبت روايتي الاولى «حدث في القرية» وتقدمت بها الى لجنة عبد الماجد ابو حسبو التي كان فيها عبد الله علي ابراهيم والمرحوم عبد الله حامد الامين. وقدرت هذه اللجنة قيمة هذه الرواية رغم انها كانت لطالب لم يتخرج بعد. وعندما نُشرت لقيت قبولاً معقولاً. وأستطيع أن اقول إن هذه الرواية لتقدمتها الغريبة التي تقول: «نحن جزء من العالم» كانت تعبيراً عن القرية التي انتمي لها، في صورتها الخيالية. وكانت شرق دارفور عموماً ودارفور وكردفان شاملاً غير ممثلة في مجال الرواية السودانية الا برواية «الفراغ العريض» لملكة الدار محمد، وقد نُشرت في نفس العام. وعدا أعمال الطيب صالح كان الريف السوداني مهملاً تماماً في مجالات الرواية التي نشرت لأبو بكر خالد وخليل عبد الله الحاج. واعتقد ان هذه الرواية ادخلتني الى مجال الابداع السردي ولفتت النظر الى اهمية وجهة نظر الارياف في الواقع السوداني. ومن هذه الزاوية اضع لها الخصوصية في تفكيري. الأعمال والنقد: الاستاذ التشكيلي محمد حسين الفكي قال إن الفنان عموماً يعتبر ان اقيم الاعمال التي قام بها هي تجاربه الاولى، فهذه التجارب هي التي تدفع بقناعاته فيلتمس جانباً من الفنون، حيث نجد الموضوع عند المسرحي والشاعر والتشكيلي وما الى ذلك، فكل مبدع منهم يفاخر بأعماله الاولى، كما نجد احياناً من لا يعجبه عمله الاول، لذا على الكاتب ان تتوفر لديه ملكة النقد حتى يقيم الجيد من اعماله من الرديء منها. واضاف الفكي ان هنالك كثيراً من اعمال الادباء الاولى يقوم بها ابناء الادباء حيث يتم جمعها، وكثير من الاعمال الشعرية بصفة خاصة اشتهرت بعد رحيل كتابها، فمثلاً في مجال الفن التشكيلي اشتهر الفنان «فان جوخ» باعماله الاولى بعد وفاته. نماذج: الأستاذ الناقد عز الدين ميرغني اوضح أن العالم كله في مجال الثقافة مازال يتحدث عن الاعمال الاولى للادباء، ويعتبر العمل الاول اهم عمل لأنه يُعتبر البيان الأول للكاتب، ومن هنا يحدث التقييم، فإذا كان العمل قوياً فإن الكاتب سيحصل على الشهرة سريعاً، ولذلك يجب ان يكون العمل الاول مدروساً جيداً ومصححاً وأُقيمت له ورشة عمل نقدية قبل الطبع. واحياناً الانسان اذا كان عمله الاول عادياً واتى ما بعده جيداً يقولون إنه قد تطور، وأكبر مثال لذلك نجيب محفوظ الذي كانت بداياته عادية، وكذلك ماركيز، وفي السودان مثال لذلك أمير تاج السر.