لأن الإنسان كائن «اكّال» فهو ينفق جل ما يكسبه على «النا نا» اقرأها بالنون النوبية ما دام طلعنا كلنا نوبة، لذلك فإن تدبير الوجبات يمثل لربة المنزل هما ثقيلاً خاصة لمن كان زوجها «بِطينة» كل همه بطنه. ولقد تعارف الناس في السودان على أن تكون وجبة العشاء خفيفة، كوب من اللبن.. كاسة زبادي.. شربات ليمون.. شاي مغرب «بي حتة عيشة».. هيك شي. ولكن«آمال» ظلت تعاني من شراهة زوجها «خضر» و«طفاسته» فهو يدقق في كل شيء، فمنذ الصباح الباكر وحالما تضع أمامه كباية الشاي باللبن الصباحية وتقفل عائدة إلى مطبخها حتى يشنف أذنها صوت بصقته «للجغمة» مُصدرًا صوتًا من بين شفتيه ورذاذ يرش المكان تمامًا كحوت ضخم يخرج الماء من فتحة أعلى رأسه «تعالي.. تعالي.. تعالي.. الشاي لبنه كثير امشي زيديهو شاي.. ليك عشرين سنة تسوي الشاي ما عرفتي تظبطيه لسه»! فتهرع «آمال» إلى كوب الشاي وتأخذه إلى المطبخ، ولأن «خضر» لا يأتي للغداء لطبيعة عمله المتأخر فهو يهتم اهتمامًا بالغًا بوجبة العشاء.. والحقيقة أن «آمال» كانت تستبسل لتخرج وجبة العشاء بصورة مُرضية إلا أن «خضر» هذا كان مزلوعًا ولا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب. آمال مع مرور الأيام والأشهر والسنوات زهجت وفاض كيلها «هو الراجل دا حياكل كدا طوالي لي متين!. وبعد فشل طويل مع محاولات إطعامه فول وطعمية وعدس تشاغلت «آمال» بنظافة وتجهيز السمك عن حرقة وغليان دواخلها ثم قررت أن تشويه بدلاً نن قليه حتى لا يتحجج بشيء، وضعته أمامه ثم وقفت على مقربة متحفزة.. أمسك «خضر» إحدى السمكات وقرّبها من أنفه بسرعة ثم قال بصوت خافت كأنما يخاطب نفسه: السمك دا ريحتو بحر بحر .. ياربي عشان البحر قريب مننا ولا شنو؟، وعندها «هسترت» آمال وصرخت بصوت مدوي : ياراجل مادام البحر جمبنا ما تجري تقع فيهو.. الراجيها شنو؟.